رسالة
العبادة والسيادة (الديني والسياسي) في الاقصى
- التفاصيل
- المجموعة الأم: النشرة
- نشر بتاريخ الثلاثاء, 20 تشرين1/أكتوبر 2015 08:08
- الزيارات: 2205
بقلم: عبدالحكيم مفيد
تاريخ النشر الأصلي: 19/10/2015
موقع النشر الأصلي: فلسطينيو 48
حذر البعض من حين لآخر من مغبة اعتبار ما يحدث في القدس صراع ديني، وانه من الافضل اعتبار المسألة سياسية محضة، حتى لا "يغير مسار البوصلة".
ونفهم للغاية الاعتبارات التي تقف خلف هذا المطلب، والابتعاد عن محاولات الخلط بين مسألتين "متناقضتين" كما يبدو لاول وهلة، على الاقل من وجهة نظر البعض، وعلى هذا الاساس يتم الفصل بين العبادة بكونها مسألة دينية والسيادة بكونها مسألة سياسية، ويتم اعتبار العبادة مسألة ملحقة وغير جوهرية، لا يجب ان تمس او تعطي معنى اخر للحالة السياسية.
كلام كثير قيل في هذه المسألة، من منطلقات مختلفة ولاعتبارات مختلفة، قال البعض هذا الكلام حتى لا تتحول المسألة الى "صراع ديني" من وجهة نظرهم، واكد البعض على ضرورة الفصل لاسباب لا تخلو من الخبث .
لا نود الخوض في الاسباب والدوافع والمنطلقات، لكل واحد الحق الكامل في ان ينظر الى حالة الصراع في الاقصى والقدس من المنظور الذي يريد، لكنه لا يستطيع تجاوز الحقائق الهامة للغاية التي على اساسها يجب فهم الصراع.
لم تحصل القدس على هذه المكانة والاهمية الا بفضل الاقصى، ليس كمكان عبادة مجرد، أي مسجد يرتاده العباد، بل مسجد يمنح المكان قيمة اخرى، روحية تمنح وتضيف للسيادة وزنا لا تمتاز به اماكن اخرى، وهذه نقطة يجب التشبث بها للغاية، قوة المكان نابعة من الاقصى، من انه كان محطة في الطريق الى السماء في رحلة الاسراء والمعراج، في انه المكان الذي كان ومر منه الانبياء، وتعبدوا وتبتلوا، في انه ارض المحشر والمنشر، في انه المكان الذي يجذب اليه المتعبدون انطلاق من حالة ارتباط روحي، في مكان هو بوابة السماء، في ارض الاسراء والرباط، وهذا مهم للغاية, أنه احد المساجد الثلاثة التي يشد اليها الرحال، وان الصلاة والعبادة ليست كأي مسجد .
هل يمكن ان يكون هناك سيادة اقوى ومعنى سياسي اكثر من هذا، ماذا يعني شد الرحال الى المسجد اكثر من التأكيد على السياسة، وماذا تعني مكانته المميزة في القدس اكثر من منح محيطه مكانة خاصة، "بيت المقدس واكناف بيت المقدس"، وماذا يريد الفلسطينيون اكثر من هكذا مكانة سيادية لبلادهم، "الارض التي بارك بها الله".
لا تناقض بين "العبادة" و"السيادة"، كل من يريد تحويل الاقصى الى مكان عبادة،ل انه "ينتزع" من الصراع حالته السياسية ، يمس عمليا وبشكل مباشر بـ"السياسة" التي يريدها حاضرة حتى لا يتحول الصراع الى "ديني".
لا مجال للفصل بين الامرين، ولا نريد هنا القول ان المؤسسة الاسرائيلية لا تفصل بين الامرين، بل نود ان نؤكد على ضرورة التمسك بالمعنى الروحي للاقصى بكونه هو وفقط هو الذي منح "الحالة السياسية" معنى مميز، اخر، لم يحضر في أي حالة صراع لا سابقا ولا حاضرا.
المطلوب ليس الهروب من المعنى الروحي (وليس الديني كما يسميه البعض)، المطلوب التمسك به لانه هو وفقط هو قادر على احياء الحالة السياسية دائما، ولانه هو وفقط هو القادر على حفظ الثوابت، بغض النظر عن موازين القوى.
وهنا لا بد من القول انه من الصعب على البعض فهم سر الاقصى في الحالة التي نعيشه، وقدرته غير المحدودة في الوقوف في وجه حالة سياسية منهارة تلهث نحو الضياع .
واجب الجميع التشبث بالاقصى، لانه هو الذي يمنح معنى اخر للاشياء، وهذا نداء ليس للمتدينين، هذا نداء للجميع.