رسالة
حول الاقتحام الدامي يوم الأحد للمسجد الأقصى المبارك
- التفاصيل
- المجموعة الأم: النشرة
- نشر بتاريخ الأحد, 02 آب/أغسطس 2015 08:13
- الزيارات: 2820
إعداد/ آيه يوسف
بتاريخ: 2-8-2015
شهد يوم الأحد من الأسبوع الماضي وهو الأسبوع الأول بعد أسبوع عيد الفطر لعام 1436ه، اقتحاما هو الأعنف منذ عدة أشهر تلى انفراجة دامت شهر رمضان المبارك خففت أجواء الحصار والتضييق والاعتداءات التي يعاني منها المسجد الأقصى منذ استكمال احتلال القدس عام 1967م، والتي تسارع الزمن سنويا منذ انتفاضة الأقصى عام 2000م، وخاصة منذ انطلاق الثورات العربية عام 2011م في محاولة لإحداث واقع جديد في المسجد الأقصى يدعم الرواية الصهيونية حول المدينة المقدسة بزعم أنها مدينة يهودية غير عربية ولا إسلامية.
عاش المسجد الأقصى المبارك في تواصل مع زواره وعماره والعاكفين فيه والذين فاقت أعدادهم مئات الآلاف في بعض أيام وليالي الشهر الفضيل سعيا وراء التماس بركة الزمان والمكان في الأقصى وفي رمضان، خاصة أيام الجمع وفي العشر الأواخر من رمضان. ونتيجة لهذا التدفق الكبير للمصلين انحسرت بل وتوقفت عمليات اقتحام المسجد الأقصى المبارك تماما من جانب المستوطنين وشرطة الاحتلال مع إغلاق الشرطة يوم 6-7-2015 لباب المغاربة القريب من حائط البراق في السور الغربي للمسجد الأقصى -وهو الباب الوحيد الذي يتحكم الاحتلال في مفاتيحه ويستخدمه لإدخال المقتحمين دون إذن إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس - وهي الجهة المشرفة على الشئون الداخلية للمسجد المبارك - خاصة بعد انتفاضة عام 2000. وتنفست الساحات (الصحن المكشوف داخل المسجد الأقصى) والتي يركز عليها المحتلون حاليا الصعداء بعد أن تخلصت من التوتر الذي تسببه هذه الاقتحامات والزيارات غير المرغوب فيها ولا المأذون بها من جانب المسلمين والتي يشجعها الاحتلال.
ولكن ما أن انقضى يوم العيد، حتى عادت تظهر تلك الاقتحامات خاصة من جانب شرطة وجيش الاحتلال المدججة بالسلاح والتي تهدف إلى تسهيل اقتحام المستوطنين للمسجد المبارك تمهيدا لحلمهم باقتطاع أجزاء من ساحاته، وهو ما قابله أهل الرباط في المسجد الأقصى بالتصدي والرفض والملاحقة ورفع الصوت بالتكبير، وإن ظل هذا الحراك محدودا وبعيدا عن أعين المتابعين.
ففي يوم الاثنين 20-7 -2015 الموافق 3 شوال 1436هـ، شرعت قوات الاحتلال باب المغاربة أمام اقتحامات المستوطنين في المسجد الأقصى مجددا، وأعادت الوحدات الخاصة وقوات التدخل السريع المدججة بالأسلحة، وأضافت الى قواتها عناصر جديدة نسائية، واعتقلت من داخل ساحات المسجد الأقصى كلا من محمد ناصر معالي من دير جرير والمقدسية سناء الرجبي، بحجة التكبير أثناء اقتحامات المستوطنين. ويوم الأربعاء التالي بلغ عدد المقتحمين للأقصى 108 مستوطنا وتم تمرير المستوطنين من بين المصلين والمرابطين في ساحات المسجد لتعمد استفزازهم، فيما بلغت الاعتقالات في صفوف المصلين داخل الساحات 5، فضلا عن احتجاز بطاقات جميع الرجال وغالبية النساء وتحويلها إلى مركز القشلة بباب الخليل في سور البلدة القديمة، وملاحقة صحفيين واعتقال بعضهم لفترة وجيزة.
لكن في مفتتح الأسبوع التالي مباشرة تفجر بركان الحقد على المسلمين وعلى نجاحهم في إثبات حقهم في مسجدهم خلال مواسم طاعتهم لنشهد توغل عشرات من جنود الاحتلال واقتحام نحو 230 مستوطنا لساحات المسجد بحراسة كثيفة بحجة الاحتفال بذكرى "خراب الهيكل"، وذلك منذ الصباح الباكر يوم الأحد 26-7-2015، ووسط إطلاق كثيف لقنابل صوتية وغازية، ليس فقط في ساحات المسجد الأقصى وإنما أيضا في جزء من مبناه الرئيسي الواقع في قبلته والذي يضم المحراب والمنبر الرئيسيين. أسفر هذا الاقتحام المكثف عن ترويع المصلين الآمنين فيه، وإلحاق إصابات بنحو 16 مصليا وموظفا وحارسا في المسجد الأقصى، استدعى بعضها تدخلا جراحيا، فضلا عن عشرات من حالات الاختناق، إضافة إلى تخريب بالمبنى شمل تدمير إحدى بواباته، وتحطيم عدد من نوافذه الزجاجية والجصية وقص حديد النوافذ لإطلاق النار والغاز داخله، وتدمير منظومة إطفاء الحريق بالمبنى وتدفق المياه بغزارة داخله لمدة نصف ساعة على الأقل.
ثم ظهر لوقت وجيز وزير الاستيطان الاسرائيلي، أوري أريئيل، ومسؤول منظمة "طلاب الهيكل" المتطرفة الصحفي "أرنون سيجال" وعدد من الحاخامات المتطرفين حيث بثوا الاقتحام من داخل جزء من من الساحات الغربية للمسجد الاقصى على الهواء مباشرة لاول مرة في حراسة من الجنود المدججين بالسلاح، قبل أن يخرج الوزير سريعا في ظل استمرار الاشتباكات بين العاكفين في المسجد من جهة والمقتحمين الغادرين من جهة أخرى، والذين شرعوا بالتنكيل بشكل غير مسبوق بحراس المسجد وموظفي الاوقاف في الساحات والاعتداء عليهم بالهراوات والغاز المسيل للدموع، في وقت أصيب فيه ضابط وجنديان صهاينة بجروح أيضا في الاشتباكات.
ويؤكد هذا الاقتحام الأمني والاستيطاني المدعوم رسميا في نفس الوقت للمسجد الأقصى، والذي أعقب موسم العبادة الإسلامي في رمضان، مواصلة سلطات الاحتلال سعيها المحموم لتقسيم المسجد الأقصى زمانيا بين اليهود والمسلمين بذريعة السماح للمسلمين بالصلاة والعبادة في شهر رمضان وبخاصة في العشر الأواخر، في حين لم يسمح لليهود بالدخول.
أما خارج أبواب المسجد الأقصى، فقد جرت اعتداءات واعتقالات أكثر عنفا على شادي الرحال وآمي المسجد المبارك بعد منع كل الفئات العمرية من المسلمين من الوصول إلى المسجد المبارك، بمن فيهم موظفو المسجد وطلاب المخيمات الصيفية فيه، وتعطيل دوام كافة دوائر ومكاتب الأوقاف في الأقصى لهذا اليوم. وشمل التنكيل بالمرابطين على الأبواب النساء اللواتي نجحن في عرقلة الاقتحامات وفي ملاحقة المستوطنين الذين اقتحموا المسجد بالفعل بالتكبير خاصة أمام باب السلسلة في السور الغربي للمسجد الأقصى والذي يعد أقرب الأبواب إلى باب المغاربة.
وعشية اقتحام الأحد الغادر، شنت وسائل إعلام إسرائيلية حملة تحريض غير مسبوقة على المسجد الأقصى ورواده في إطار محاولة لحشد أعداد كبيرة من المقتحمين بزعم الاحتفال بالذكرى اليهودية. كما شنت قوات الاحتلال الاسرائيلي فجر الجمعة حملة اعتقالات واسعة بين صفوف الشبان المقدسيين. ومساء السبت نظمت جماعات "الهيكل" مسيرة تهويدية انطلاقا من ما يسمى متنزه " الاستقلال" - المقام على ارض مقبرة مأمن الله – وصولا الى باب المغاربة الواقع في السور الخارجي للبلدة القديمة في القدس والذي يقود إلى ساحة البراق.
وتذكر مشاهد الاقتحام الأمني الاستيطاني المزدوج يوم الأحد بمشاهد إغلاق المسجد الأقصى العام الماضي للمرة الأولى منذ الاحتلال. ففي 31-7-2014م تم منع الكافة من دخول المسجد المبارك بعد انتهاء عيد الفطر بهدف تسهيل مهمة اقتحامه على المستوطنين بحجة قرب حلول أحد المناسبات اليهودية أيضا، وكان هذا مقدمة لسلسلة من الاعتداءات الدموية والاعتقالات والتخريب لأجزاء أوسع من المسجد الأقصى استمرت لأسابيع بحجة تأمين الاقتحامات التي شملت أعدادا متزايدة من المستوطنين!
وفي تلك الأثناء، واصل السياسيون الإسرائيليون التصعيد في الكنيسيت لتثبيت حق للمستوطنين اليهود في ساحات المسجد المبارك والوصول في مرحلة ما إلى تقسيم زماني يتم بمقتضاه حظر دخول المسلمين لأجزاء من المسجد في أوقات اقتحام المستوطنين.
وتنفيذا لما قررته لجنة الداخلية بالكنيسيت، تم يوم 3-9-2014 اقتحام مقر مؤسسة عمارة الأقصى والمقدسات المشرفة على مشروع مصاطب العلم في المسجد الأقصى منذ عام 2010 وحظرها ووقف نشاطها في تعزيز المسجد المبارك. ولعب هذا المشروع دورا في تشجيع التواصل الفلسطيني من داخل القدس ومن داخل أراضي فلسطين 48 مع المسجد المبارك ومع ساحاته الفسيحة الممتدة خاصة في الأوقات التي يقل فيها عدد المصلين والتي يحاول الاحتلال استغلالها لتشجيع اقتحامات الساحات.
كما نفذ وزير الأمن الاسرائيلي يتسحاق أهرونوفيتش اقتحاما يوم 24 -9-2014 وذلك مع قرب حلول ذكرى انتفاضة الأقصى وعشية بدء السنة العبرية للإشراف على تأمين اقتحامات المستوطنين لساحات الأقصى، بعد أن أقدمت قواته على إغلاق أبواب المسجد ومنع النساء من دخوله، وملاحقة حافلات مسيرة البيارق التي تعمل على نقل المصلين إلى المسجد الأقصى المبارك.
وكانت حكومة شارون استأنفت عام 2003 اقتحامات المستوطنين الى المسجد الأقصى بحراسة أمنية مشددة، وارتفعت وتيرة هذه الاقتحامات بشكل كبير وجماعي في عهد حكومة نتنياهو الثانية في العام 2009، حيث فرضت مسارا خاصا للمستوطنين كان يبدأ من جهة باب المغاربة والتقدم نحو المبنى الرئيسي في المسجد الأقصى "الجامع القبلي" مرورا بالمصليات القديم والمرواني، وصولا الى منطقة باب الرحمة ووقوفا عند مشارف صحن قبة الصخرة من الجهة الشمالية وانتهاء بباب السلسلة.
ولا شك أن مثل هذه الاقتحامات المتجددة والمتصاعدة هي مؤشر على جدية سلطات الاحتلال في استهداف المسجد المبارك، خاصة في ظل تصاعد الثورات العربية وتفاعلاتها الداخلية، مما يؤكد ضرورة اتخاذ مواقع متقدمة في مكافحة المشروع الصهيوني الرامي إلى استدامة احتلال بيت المقدس.