رسالة
تقدير موقف حول الاتفاق الأردني الإسرائيلي حول الأقصى برعاية أمريكية في 24/10/2015
- التفاصيل
- المجموعة الأم: النشرة
- نشر بتاريخ السبت, 31 تشرين1/أكتوبر 2015 03:11
- الزيارات: 2175
تقدير موقف
الاتفاق الأردني الإسرائيلي حول الأقصى برعاية أمريكية في 24/10/2015
إصدار إدارة الأبحاث والمعلومات
مؤسسة القدس الدولية
28/10/2015
أعلن وزير الخارجية الأمريكي عن اتفاق أردني-"إسرائيلي" حول الأقصى في عمان في 24/10/2015 تمحور حول احترام "إسرائيل" للدور الأردني في المسجد، وتعهد إسرائيل بالحفاظ على الوضع القائم وتخصيص المسلمين بالصلاة وغير المسلمين بالزيارة، ونصب كاميرات لمراقبة المسجد الأقصى على مدى 24 ساعة لمعرفة مصادر الاستفزاز. جاء هذا الاتفاق ليحمل سلبيات بينها قبوله الضمني بتغيير الوضع القائم، وتحويل "زيارة" اليهود إلى حق مكتسب، واقترح آلية رقابية كانت محل رفض أردني متتالٍ ولا تحقق أي ضمانات، وكانت له إيجابيات بينها الاعتراف الدولي الضمني بأن "إسرائيل" هي من غيرت الوضع القائم، وأن تجاوزاتها في الأقصى هي السبب الرئيس لهذه الهبة**، وأكد أن المسجد الأقصى لا يزال محل أولوية سياسيةٍ أردنية. بعد تحليل دور الأطراف المباشرة وغير المباشرة في الاتفاق، تخلص الورقة إلى 3 سيناريوهات: التطبيق والتفاهم على المضمون، التطبيق حسب رؤية كل طرف، والإفراغ من المضمون، ويبدو السيناريوهان الثاني والثالث هما الأقرب للحصول.
جاء إعلان وزير الخارجية جون كيري لبنود اتفاق أردني إسرائيلي توصل له بعد لقائه الملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس في سياق تحركٍ دولي لاحتواء الهبة الشعبية المستمرة للأسبوع الرابع على التوالي في القدس والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، وركز على النقطة التي انطلقت منها هذه الهبة، وهي محاولة فرض التقسيم الزماني والتمهيد للتقسيم المكاني في المسجد الأقصى المبارك، والورقة الآتية تحاول قراءة الخلفيات وتحليل بنود الاتفاق وتقييم مسارات التطبيق المحتملة له على الأرض.
انطلقت الهبة الشعبية في القدس وانتشرت إلى أنحاء الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 نتيجة ظروفٍ عدة، أهمها استمرار الاحتلال وتوسع الاستيطان، وغياب أي عمليةٍ سياسية تحمل أفقاً بإنهاء الاحتلال أو حتى فرض تراجعٍ محدودٍ عليه، وتزايد اعتداءات المستوطنين المتطرفين في أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس، وجاءت محاولة فرض التقسيم الزماني التام للمسجد الأقصى خلال فترة الأعياد اليهودية لا سيما عيد رأس السنة العبرية (13-16/9/2015) وعيد العُرش اليهودي (29/9-6/10/2015) لتشكل ذروة الاستفزاز والشرارة التي أطلقت هذا التحرك الشعبي الواسع، والذي سبقته مجموعة من عمليات المقاومة الفردية التي مهّدت له على مدار عامٍ كامل.
جاء التحرّك الأمريكي لاحتواء الهبة الشعبية بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على انطلاقتها، وفشل الإجراءات الأمنية الإسرائيلية في إحباطها، وعدم تدخّل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في قمعها بشكلٍ واسعٍ ومباشر، رغم استمرار تنسيقها الأمني مع الاحتلال في مستوياته السابقة. ولأن السبب المباشر لانطلاق الهبة كان المسجد الأقصى، فقد استدعى ذلك دوراً أردنياً أساسياً لكون الأردن يتولى مسؤولية إدارة المسجد الأقصى وإعماره وصيانته والإشراف على الأوقاف والمحاكم الشرعية في مدينة القدس. وكان هذا الشكل من التحرك السياسي الرباعي: الأمريكي الأردني الفلسطيني الإسرائيلي قد تم لاحتواء هبة رمضان في القدس في شهر 7/2014، والتي شكلت المقدمة التي سبقت حرب غزة في حينها.
أُعلن الاتفاق من طرف وزير الخارجية الأمريكي وبلغته، ورغم أنه كان يقرأ من نصٍّ مكتوب إلا أن الاتفاق بحدّ ذاته لم يكن مكتوباً أو موقعاً، وهذا ما يجعله أقرب إلى مبادرة أمريكية منه إلى اتفاق، كما عدم تحديد بنود الاتفاق بنصٍّ تعطي كل طرفٍ مساحةً واسعةً في تفسيره وفق وجهة نظره.
يمكن تلخيص الاتفاق كما أعلنه كيري بالمكونات الآتية :
1- أن تحترم "إسرائيل" "الدور الخاص" للأردن كما ورد في اتفاقية السلام بين الطرفين، و"الدور التاريخي للملك عبد الله الثاني".
2- "إسرائيل" ستستمر في تطبيق "سياستها الثابتة في ما يخص العبادة الدينية"، في المسجد الأقصى بما فيها الحقيقة الأساسية بأن "المسلمين هم من يصلون" وبأن "غير المسلمين هم من يزورون".
3- بأن "إسرائيل" ترفض تقسيم المسجد الأقصى، وترفض "أي محاولة" للقول بغير ذلك.
4- "إسرائيل" ترحب بالتنسيق المتزايد بين السلطات الإسرائيلية وإدارة الأوقاف، بما في ذلك "التأكد من أن الزوار والعبّاد يبدون الانضباط ويحترمون قداسة المكان انطلاقاً من مسؤوليات كلٍّ منهم".
5- موافقة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على اقتراح الأردن بـ"توفير" تغطية مصورة على مدار 24 ساعة لكل المواقع داخل المسجد الأقصى، ما يوفر سجلاً "شاملاً وشفافاً" لما يحصل فيه، وهذا قد يثبط كل من يحاول تشويه قداسة المكان.
بعد تلاوة نص الاتفاق على لسان وزير الخارجية الأمريكي، أثنى مضيفه الأردني ناصر جودة على جهوده، مؤكداً بأن الأردن "ليس وسيطاً ولا مراقباً" في هذه المسألة، بل طرف من الأطراف، ومؤكداً أن مساحة المسجد الأقصى المقصودة بالحديث هي 144,000 م2.
1. جاء الاتفاق في سياق الالتفاف على الهبة الشعبية في القدس، ليبني على قراءة مغلوطة للمصالح الأردنية تفترض استمرار الأوضاع التي كانت قائمة في تسعينيات القرن الماضي عند توقيع اتفاقية وادي عربة، رغم أن مستجداتٍ كثيرة طرأت تستدعي مراجعة هذه القراءة ومدى تحقيقها للمصالح الأردنية: إذ تراجع الدور الأمريكي العالمي، ووصلت التسوية السياسية مع الفلسطينيين لطريق مسدود مرة بعد مرة، ولم يعد من الممكن حتى استدامة العملية التفاوضية، ومرّ المجتمع الإسرائيلي بحركة تاريخية نحو اليمين صدّرت إلى سدة القيادة تياراتٍ ترى ضرورة السيطرة على المسجد الأقصى، وترى ضرورة تحقيق النقاء الديمغرافي لـ"الدولة اليهودية" وتدعو علناً إلى الترانسفير وتبادل السكان وتنظر للدولة الأردنية على أنها الدولة الفلسطينية الحقيقية، وهي كلها مستجدات تفرض على صانع القرار الأردني إعادة قراءتها بجدية وقراءة تداعياتها المقبلة، ويبدو أنه مدفوعاً بضغوط عدم استقرار الإقليم لا يرى حلاً سوى الالتصاق بالدولة الصهيونية أكثر دونما اعتبار لكونها هي بحد ذاتها مصدر خطرٍ مباشرٍ، وهو ما تدلل عليه اتفاقيات ناقل البحرين وشراء الغاز.
2. استعجل الاتفاق المقايضة مع الحكومة الإسرائيلية مقابل التراجع –المؤقت والشكلي غالباً- عن إجراءات التقسيم العلنية، ودفع مقابلاً لذلك سنقرؤه في البنود الآتية، مع أن هذا التراجع كان من الممكن انتزاعه تحت ضغط الهبة الشعبية واستمرارها، لكن الموقف المسبق للأردن تجاه هذه الهبة واستعجال تطويقها -والمبني على القراءة أعلاه- دعاه لدفع مقابلٍ غير ضروري في شروط إدارة المسجد، في حين لا يبدو موضوعياً أن هناك أي خطورة على الأردن من استمرار هذه الهبة الشعبية، بل هي تحقق مصالحه في مواجهة تغول الدولة النووية المجاورة له.
3. تحدث الاتفاق عن الوضع القائم Status Quo، ومصطلح الوضع القائم في القانون الدولي يشير إلى حالة كانت قائمة عند حصول تغيير أو حدث سياسي محدد، ويعيد دارسو القانون الدولي مصطلح الوضع القائم أساساً إلى المادة 62 من اتفاقية برلين لعام 1878 بين القوى الأوروبية الكبرى والدولة العثمانية، والتي تدار المقدسات المسيحية ومواقع الطوائف بموجبها حتى الآن، بينما يرجعه آخرون للوضع الذي كان قائماً قبل عام 1967، وإلزام إسرائيل بالحفاظ على المقدسات على وضعها الذي كانت عليه قبل الاحتلال. ورغم أن إسرائيل أخلت بهذا الوضع القائم في الأيام الأولى للاحتلال، إلا أنها وتحت ضغوط ومخاوف متعددة أعادته إلى ما كان عليه، وأعادت المسجد الأقصى إلى عهدة الأوقاف الأردنية في 31/7/1967، ما يجعلها مصادقةً فعلياً على هذا الوضع القائم، ويحرمها في القانون الدولي من أي حقٍّ للاعتراض عليه، ليس لأنها لم تعترض عليه عندما قام فقط، بل لأنها أسهمت بإرادتها في تكريسه. الوضع القائم انطلاقاً من ذلك يشير إلى حقبات كان فيها المسجد الأقصى مقدساً إسلامياً خالصاً، لا ينازع المسلمين أحدٌ فيه. ما يفعله نتنياهو اليوم هو محاولة اللعب على لفظة "القائم" ليقصد به ما هو قائم "الآن" بعد التغييرات التي أجراها الاحتلال على مدى عقودٍ من الزمن، لكن هذه الفذلكة اللفظية لا قيمة لها إن لم تجد من يقبلها ويمررها على الطرف الآخر.
على الرغم من ذلك، أشار كيري في تعريفه للوضع القائم إلى أن "المسلمين هم من يصلون" و"غير المسلمين هم من يزورون"، وهذا بحد ذاته تغيير للوضع القائم، فالمفهوم أن المسجد الأقصى كان –في الفترات المشار إليها- مقدساً إسلامياً خالصاً، ودخول غير المسلمين إليه هو أمر راجع لرغبة المسلمين أنفسهم، وتحت عنوان "السياحة"، وهو ليس حقاً ملزِماً على المسلمين لمصلحة أتباع أي دين آخر، أما اتفاق كيري فيتحدث عن الزيارة متساوية مع الصلاة، وهذا يجعلها ملزمةً للمسلمين.
4. يقترح الاتفاق آلية رقابية، عبارة عن كاميرات مفتوحة لمعرفة "مصدر الاستفزاز"، وهذه إشارة ضمنية إلى استمرار الوجود اليهودي في المسجد، وبأن القضية تتعلق بـ "مصدر الاستفزاز"، أي بمن يتعدى على "حق" الآخر، مع أن مجرد دخول اليهود هو المصدر الأساس للاستفزاز. ما يدعو للتوقف هنا أن هذه النقطة كانت على الدوام مصدر اعتراضٍ أردني، إذ اعترض الأردن عند بدء سلطات الاحتلال بتركيب كاميرات المراقبة حول المسجد عقب انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000، وخلال مراحل تطويرها وتوسيعها عاميْ 2005 و2013، لكنه اليوم يقبل باتفاقٍ يعتبر وجود كاميرات المراقبة ضمانته الأساسية، دونما سببٍ مفهومٍ يفسر هذا الانقلاب في الموقف.
5. الأخطر هو ما لم يذكره الاتفاق المعلن على لسان كيري: إذ تحدّث مصدر أردني مسؤول لم يفصح عن اسمه لجريدة الرأي الأردنية –الجريدة الناطقة باسم الدولة- بإصرار الأردن على استعادة صلاحية إدخال السياح كما كانت قبل عام 2000، وذلك قبل يومين من إعلان هذا الاتفاق . هذا قد يشير إلى نيةٍ لتنظيم دخول اليهود إلى المسجد من خلال الأوقاف الأردنية تحت بند "السياحة"، وهو أمرٌ كان تقرير مجموعة الأزمات الدولية الصادر في30/6/2015 قد أشار إليه . هذا التغيير –إن حصل- يشكّل إقراراً بأحقية اليهود في الدخول للمسجد وبمشروعيتها من طرف الجهة الإسلامية التي تتولى إدارته، لكونه سيجري بإشرافها وتحت إدارتها.
قد يبدو هذا التغيير للوهلة الأولى منعاً لفكرة التقسيم الزماني المباشر، ومحاولةً لتجنب دخول الدولة الصهيونية كطرفٍ يدير المسجد الأقصى مباشرةً كما كانت تتأمل، إلا أنه ينفذ عملياً مقتضى ما كانت تسعى إليه، كما أنه يقفز عن حقيقة كونها لا تزال تتحكم بأبواب الأقصى من الخارج، ومن الممكن لها تاليًا أن تدير التقسيم عملياً بحكم الأمر الواقع.
على أي حال، سيشكّل هذا الاتفاق من هذه الزاوية تراجعاً كارثياً من وجهة نظر متطرفي "المعبد" على الطرف الصهيوني، وسيعملون على إجهاضه وإفراغه من محتواه بكل ما لديهم من قوة، لأنه سيعني دخولهم كيهود إلى "أقدس مقدساتهم" كـ "سياح" تحت المظلة الإسلامية، وهو ما يمنع القبول الإسرائيلي به حتى الآن.
6. من حيث الشكل، جاء الاتفاق على لسان وزير الخارجية الأمريكي الذي لا يعدّ وسيطاً نزيهاً ولا خالياً من المصالح في هذه المسألة، خصوصاً أن تقارير الحرية الدينية الصادرة عن وزارته تطالب الحكومة الصهيونية بشكل سنوي بتحسين شروط دخول اليهود إلى المسجد الأقصى، كما أنها تصر على إرفاق تسمية "الحرم الشريف" التي تطلقها على المسجد بمصطلح "جبل المعبد" حيثما وردت، فتعتبر أن الحق اليهودي فيه موازٍ للحق الإسلامي بخلاف موقف القانون الدولي. وقد ورد ذكر الاسمين مقترنين 8 مرات في النص الذي تلاه كيري، 5 مرات منها ابتدأ بتسمية "جبل المعبد"، بينما ابتدأ 3 مرات فقط بتسمية "الحرم الشريف". هذا يجعل ترك النص لوزير الخارجية الأمريكي لقراءته يشكل إخفاقاً إضافياً، لأنه يشكل تعزيزاً تلقائياً للموقف الإسرائيلي من خلال تركيب النص وطريقة تلاوته.
1. شكّل الاتفاق اعترافاً دولياً ضمنياً بأن سبب الهبة الحالية هو ما أجرته الحكومة الإسرائيلية من محاولاتٍ لفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى المبارك.
2. جاء الاتفاق من دون لقاءٍ مباشر مع نتنياهو، وعبر الوساطة الأمريكية، ولم يشر وزير الخارجية الأردني إلى مضامينه، وبدا أن الأردن ينتظر أن يُعلن قبول هذا الاتفاق من طرف نتنياهو، وهو ما يشير إلى عدم ثقة أردنية تجاه نتنياهو في هذا الملف، وعدم الرضا عن محاولاته الأخيرة لفرض التقسيم الزماني والمكاني.
3. جاء الاتفاق ليركز على المسجد الأقصى المبارك تحديداً، وهذا يشير إلى بقاء المسجد الأقصى ضمن الأولويات السياسية للدولة الأردنية، وعلى رغبتها في تغطية الملف سياسياً انطلاقاً من فهمها لقيمته، وعدم ميلها للانسحاب السياسي منه والاكتفاء بإدارة الحد الأدنى له، وهو أحد الخيارات القائمة أمامها لكن يبدو أنها تستثنيه. في واقع الأمر جاءت تصريحات الملك عبد الله الثاني في 18/9 حول عدم السماح بالتقسيم الزماني أو المكاني للمسجد، وبأن المسجد الأقصى بكامل مساحته مقدس إسلامي لا يقبل التقسيم سابقةً لأي ضغوطٍ شعبية داخلية مطالبة بهذا الموقف، وهذا يشير موضوعياً إلى وجود هذا الثابت ضمن ثوابت السياسة الأردنية، بغض النظر عن فعالية تحقيقها له عملياً.
4. جاء الاتفاق ليقتنص لحظة ضعف إسرائيلية ليحاول فرض تراجع إلى الوراء –بغض النظر عن شكله ونوعه- في ملف تهويد المسجد أو محاولة تقسيمه، وهذا يشير إلى أن محاولة الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك تقع ضمن أولويات السياسة الأردنية، وإن كانت المشكلة تكمن في طريقتها لتطبيق ذلك، وفي قراءتها لخارطة حلفائها القادرين موضوعياً على دعمها في هذه الجهود.
انطلاقاً من مضمون الاتفاق وطريقة إعلانه يمكن اعتبار الأردن و"إسرائيل" والولايات المتحدة أطرافاً مباشرة في هذا الاتفاق، بينما تعتبر السلطة الفلسطينية، والجماهير الفلسطينية المنتفضة، والدول العربية والإسلامية أطرافاً غير مباشرة فيه.
على مستوى الأطراف المباشرة:
1. الأردن: قد يكون الأردن الطرف الوحيد المعني بتطبيق الاتفاق، والذي يتطلع إلى إعادة صلاحيات تنظيم دخول السياح إلى الأوقاف الأردنية من خلاله ضمن اجتهاده لمنع التدخل الإسرائيلي المباشر.
2. الدولة الصهيونية: يدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو هذا الاتفاق بحكومة يحتل نشطاء المعبد 7 من مقاعدها (28% من عدد المقاعد الوزارية)، وهو غير معنيٍّ بانفراطها أو بافتعال أزماتٍ تؤدي إلى تفكك تحالفه الحاكم الضيق، ومن هنا يتوقع أن يعتبر نتنياهو أن الاتفاق تأكيد لممارسة "إسرائيل" التي كانت قائمة قبل الانتفاضة من حيث "حق اليهود" في "الزيارة"، وأن يحاول تطبيق إجراءات محدودة تتعلق بالحد من عدد المقتحمين وحدة الاقتحامات، يساعده في ذلك انقطاع الأعياد اليهودية حتى شهر 3/ 2016، بل قد يميل لتنفيذ اقتحامات مباشرة بعده لتأكيد الفهم الإسرائيلي لهذا الاتفاق، كما يتوقع أن يميل لتزويد الأوقاف بخط من الكاميرات الإسرائيلية القائمة وعدم تركيب أي كاميرات جديدة. داخلياً ستكون "جماعات المعبد" أكثر طرفٍ معني بإفراغ هذا الاتفاق من مضمونه، وباستمرار التحريض والدعوة للاقتحامات، ورفض أي دورٍ للأوقاف الأردنية.
3. الولايات المتحدة: للإدارة الأمريكية الحالية سجل طويل من التراجع أمام حكومة نتنياهو، من فشلها في فرض وقفٍ للاستيطان لاستئناف التفاوض، إلى فشلها في تمرير مبادرة كيري لإنعاش عملية السلام أواخر شهر تموز/يوليو عام 2013، ولا يبدو أنها في الـسنة المتبقية لها قادرة على أن تتحكم أو حتى تتدخل بشكل التفسير والتطبيق الإسرائيلي لهذا القرار.
على مستوى الأطراف غير المباشرة:
1. السلطة الفلسطينية: من الواضح أن السلطة الفلسطينية لم تتدخل مباشرة في قمع الانتفاضة بقوة بانتظار الاعتراف السياسي بها وبدورها، وإعادة الاعتبار لها بالعودة للمفاوضات، وهي ستميل بالتالي لمحاولة تفريغ الاتفاق من مضمونه بانتظار فرصة أخرى تكون هي في مركزها، وهي غالباً ممتعضة من التوصل إلى اتفاق لتهدئة الأوضاع في عمان، وبترتيب لقاء كيري برئيسها على هامش لقائه بملك الأردن، ولعلّ تصريحات وزير خارجيتها رياض المالكي كشفت هذا الموقف حين قال معقباً على الاتفاق إن "الفلسطينيين وقعوا في الفخ" .
2. الجماهير الفلسطينية: تبقى هذه الجماهير هي اللاعب الأهم والأساسي الذي يدور كل الاتفاق حول احتواء هبته الحالية، وإذا ما أصرت هذه الجماهير على اعتبار دخول اليهود للأقصى أمراً غير مقبول ويستحق المواجهة تحت أي عنوانٍ جاء، فستفرض هي نسختها للوضع القائم الذي يفترض أن يسود في المسجد.
3. الدول العربية والإسلامية: يميل معظم اللاعبين الإقليميين منهم إلى تأييد التهدئة واحتواء الهبة الشعبية، بينما يميلون لاعتبار إدارة المسجد الأقصى شأناً أردنياً قلما يجري التدخل فيه، ولا يتوقع أي دور إقليمي فاعل للتدخل في تطبيق هذا الاتفاق أو منعه.
انطلاقاً من ذلك يمكن اعتبار أن هناك ثلاثة سيناريوهات أساسية متوقعة:
الأول: سيناريو التطبيق والتفاهم على مضمون الاتفاق: بحيث تعاد صلاحيات إدخال السياح للأردن، وتعود له السلطة الكاملة في إدارة المسجد ويتولى هو تنظيم دخول "الزوار" إليه بما فيهم اليهود، وتكتفي "إسرائيل" بدورها على بوابات المسجد من الخارج، وهذا سيناريو يسعى له الأردن وتتجنبه "إسرائيل" لطبيعة الائتلاف الحاكم فيها، والنزعة المجتمعية اليمينية السائدة والآخذة بالتصاعد فيها، وتناهضه "جماعات المعبد"، ويحظى بتأييدٍ أمريكي خجول.
الثاني: سيناريو التطبيق بحسب رؤية كل طرف: بحيث يمضي كل طرف لتطبيق ما فهمه من الاتفاق، وينتج عن ذلك أمر واقع جديد يجري التفاهم على تثبيته وعدم معارضته، وتستمر "إسرائيل" في السيطرة على دخول "الزوار"، والتحكم بساعات الدخول مع رفع مستوى التنسيق مع الأوقاف الأردنية وتخفيض حجم ونوع الاقتحامات في ساعات التوتر.
الثالث: سيناريو الإفراغ من المضمون: وهو امتداد للسيناريو الثاني، بحيث يمضي كل طرف في الدفع نحو ما يريد ميدانياً، بما فيها "جماعات المعبد" الإسرائيلية بتكرار محاولات الاقتحام وتصعيدها، يقابلها استمرار الفعل الفلسطيني الشعبي الواسع، وهذا يؤدي لإفراغ الاتفاق من مضمونه عملياً، مع بقاء أسباب التوتر قائمة، ويدعو إلى جولات جديدة من التفاوض والبحث عن الحلول، وهذا ما تنتظره قيادة السلطة الفلسطينية كذلك.
انطلاقاً مما تقدم، يبدو السيناريو الأول مستبعداً، ويبدو السيناريوهان الثاني والثالث محتملين، مع احتمالية تقدم السيناريو الثالث.
1. الترحيب بأي تقدمٍ يعيد للأوقاف الإسلامية حقوقها الأصيلة والطبيعية في إدارة المسجد الأقصى المبارك، وعدم تحويل الصراع على المسجد الأقصى إلى صراع داخلي عربي وإسلامي، فتنجح "إسرائيل" بتصدير الأزمة الأساسية إلينا كأمة، مستفيدة من قراءة مغلوطة لدى الطرف الذي مرّر هذه الاتفاقية.
2. التركيز على الإقرار الدولي الضمني بأن التجاوزات الإسرائيلية في الأقصى هي عقدة الصراع، ومجرد بدء محاولات التهدئة من المسجد الأقصى يشكل إقراراً بحصول تغييرات فرضتها "إسرائيل" فيه بخلاف الوضع القائم، وهذا بحد ذاته يشكل إدانة لـ"إسرائيل" كمتسبب بما يحصل الآن والتركيز على أنه يحرمها من لعب دور الضحية، ويحرمها من المطالبة بإبقاء أي من التغييرات التي أجرتها وتسببت بالهبة الحالية.
3. دعوة الأردن لإعادة قراءة علاقته مع "إسرائيل" في ضوء التغيرات التي حصلت فيها خلال العقدين الماضيين والتحول الاجتماعي والسياسي العميق نحو اليمين، والخطر المتتالي الذي ستشكله في ملف المسجد الأقصى والترانسفير على الدولة الأردنية.
4. دعوة الأردن كذلك لإعادة قراءة علاقته بالهبات الشعبية الفلسطينية من موقع الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، فهذه الهبات انطلقت إجمالًا من نقطة حماية المسجد الأقصى، وهي قوة دافعة مهمة لحماية الأقصى وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ولا بد من مد يد الدعم والإسناد لها، والاستفادة من تقدمها وتوسعها، لا العمل على الالتفاف عليها.
5. اعتبار دخول المستوطنين الصهاينة إلى المسجد الأقصى مرفوضاً ومداناً ولا يمكن القبول به تحت أي يافطةٍ جاء، ودعوة الهبة الشعبية للاستمرار طالما هناك مستوطن واحد يدخل للأقصى بغض النظر عن اليافطة التي يدخل تحتها، ودعوة المرابطين والمرابطات للتصدي له بكل الأشكال، فالخلاف الأساس يتعلق برفض اقتحام المتطرفين اليهود ومحاولة مشاركتهم للمسلمين في المسجد، وليس في اليافطة التي يدخلون تحتها.
6. لا بد من وضع أهداف محددة تتعلق بالمسجد الأقصى المبارك من هذه الهبة، ومحاولة انتزاعها في حال التمكن من استدامة هذه الهبة، والسعي إلى بناء استراتيجية فلسطينية وأردنية وعربية وإسلامية للدفاع عن المسجد الأقصى المبارك ودعم جهود الشعب الفلسطيني في حمايته ضمن المعطيات الحالية. ونقترح في هذا السياق أن تشمل تلك الأهداف تراجع الاحتلال عن مخططات تقسيم الأقصى، وفتح المسجد أمام المصلين بلا قيود، وعدم التدخل في إدارة المسجد وترك إدارته لدائرة الأوقاف حصرًا عملًا بالوضع القائم قبل احتلال القدس كاملة عام 1967.