رسالة
كيف استطاع بن جوريون أن يتلاعب بعقول المسيحيين؟
- التفاصيل
- المجموعة الأم: النشرة
- نشر بتاريخ السبت, 20 شباط/فبراير 2016 06:48
- الزيارات: 2129
أ. د. سليمان صالح
الناشر الأصلي: صحيفة الشرق القطرية
تاريخ النشر الأصلي: 14/01/2011
يشير معظم الذين كتبوا عن بن جوريون إلى عدم إيمانه بالدين، ولكنه استخدم الدين اليهودي والمسيحي لإقامة دولة "إسرائيل"، وخداع المسيحيين فهو يرى أن الحركة القومية اليهودية الحديثة تقوم على ارتباط اليهود بالأرض الموعودة وباللغة العبرية والرؤية اليهودية المسيحية حول إعادة البعث.
وتعود فكرة إعادة البعث في اليهودية والمسيحية إلى أن الرب يرسل مبعوثيه لتخليص البشر من ذنوبهم وإعادتهم إليه، والمخلص هو المسيح لكن المسيح في اليهودية لم يأت بعد، والمسيحيون يعتقدون أن المسيح هو ابن الرب وقد جاء وسوف يعود.
وما قام به بن جوريون هو عملية توفيق بين الرؤيتين اليهودية والمسيحية في رؤية واحدة، واستغلالها لتحقيق هدفه في إقامة دولة "إسرائيل".
يقول أفراهام أفي هاي إن بن جوريون قد قام بخطوة خطيرة هي أنه صور عودة اليهود إلى أرضهم الموعودة وتجمعهم فيها مقدمة لعودة المسيح، وبذلك فقد قام بالتوفيق بين الرؤية المسيحية واليهودية، وخدع المسيحيين وزرع هذه الخرافة في عقولهم لتصبح عقيدة عامة.
ونتيجة ذلك فقد أقنع بن جوريون المسيحيين بأن تأييد إقامة الدولة الإسرائيلية التي يتجمع فيها اليهود هو مقدمة للخلاص وعودة المسيح وما قام به بن جوريون هو عملية استغلال للعقيدة المسيحية في عودة المسيح، وربطها بالهدف الصهيوني، وتحويلها إلى وسيلة يستخدمها للحصول على دعم الدول الغربية، واستغلال مشاعر المسيحيين الدينية ورغبتهم في الخلاص.
ولقد استطاع بن جوريون أن يوفق بين نصوص العهدين القديم والجديد، وبين التلمود والتراث الكهنوتي المسيحي، واستخدم لغة الإنجيل لتبرير إقامة دولة "إسرائيل" مع استخدام لبعض المصطلحات الغامضة التي تهدف إلى التوفيق بين الرؤيتين المسيحية واليهودية حول الخلاص والمخلص.
هكذا يمكن أن نفهم كيف يصف بن جوريون والصهاينة أنفسهم بعدم الإيمان ويستخدمون النصوص الدينية، مع التوفيق بينها، لتحقيق أهدافهم، ودفع المسيحيين لتأييد إقامة دولة "إسرائيل" بهدف تحقيق الخلاص.
لقد استوعب بن جوريون المسيحية واليهودية، واستطاع أن يستخدم النصوص الدينية في أكبر عملية تضليل وتزييف وتوفيق بين هذه النصوص، وجعل المسيحيين يؤيدون المغامرات العسكرية الإسرائيلية والجرائم الصهيونية والرغبة في التوسع باعتبار أن هذا التأييد يأتي استجابة لنصوص كتابهم المقدس.
ولم يتذكر بن جوريون موسى إلا عام 1956 حين اشترك مع بريطانيا وفرنسا في الهجوم على مصر، ودفع قواته لاحتلال سيناء، حيث قال إن آلاف الجنود قد شاركوا في القتال في صحراء سيناء لأنهم تذكروا كيف قاد موسى أسلافهم في هذه الصحراء إلى جبل سيناء ليتلقى الوصايا العشر من الرب.
يقول بن جوريون إنها ليست مجرد معركة... لقد كانت التجارب مرتبطة حيث طافت الذكريات عبر آلاف السنين برؤوس جنودنا، حيث كان آباؤهم يقفون على جبل سيناء.
هكذا استطاع بن جوريون أن يحارب عبر كل الجبهات باستخدام النصوص الدينية بعد أن قام بتطويعها لتحقيق أهدافه، فهو يقتبس من الإنجيل والتلمود طبقاً للمواقف المختلفة نصوصاً يبرر بها جرائمه ويقنع بها المسيحيين بتأييده ويحول بها جنوده إلى مجرمين يقتلون ويدمرون وهم يتذكرون صور آبائهم وهم يتلقون الوصايا العشر على جبل سيناء من الرب.
وبالطبع لم يتذكر بن جوريون أن موسى قد ذهب إلى الجبل ليتلقى الوصايا من ربه وعندما عاد وجد بني إسرائيل آباء بن جوريون وجنوده يعبدون عجلاً من ذهب صنعه لهم السامري، وأن الله قد غضب عليهم وأمرهم بأن يقتلوا أنفسهم.
لكنه تذكر فقط ما يمكن أن يقنع جنوده بارتكاب عمليات القتل والتدمير.
إنه يجب الاعتراف بأن بن جوريون كان عبقرياً ولكن في الدهاء والخداع والكذب والتضليل وصنع الخرافات، وقبل أن يموت علم الإسرائيليين صناعة الخرافات وتضليل الشعوب وتبرير الجرائم.