رسالة
الأخطار التي تهدد المسجد الأقصى المبارك والاعتداءات التي يتعرض لها منذ الاحتلال عام 1967م (بحث)
- التفاصيل
- المجموعة الأم: المحتوي
- نشر بتاريخ الأربعاء, 30 تشرين1/أكتوبر 2013 10:45
- الزيارات: 12136
إعداد: آيه يوسف - إشراف: أ.د. إبراهيم أبو جابر
في مادة "الاحتلال الحالي لبيت المقدس منذ عام 1948م"
للفصل الثالث من العام الأول في دبلوم دراسات بيت المقدس على الإنترنت
من مجمع دراسات بيت المقدس، بانجلترا
بتاريخ 8-7-2013م
مقدمة
يحتل المسجد الأقصى المبارك المركز الأول على قائمة المواقع المستهدفة بالتهويد لرمزيته في الصراع القائم بين المشروعين الصهيوني والمشروع العربي الإسلامي منذ 150 عاما مضت. فبعد أن احتل الكيان الذي انبثق عن المشروع الصهيوني الجزء الأكبر من فلسطين عام 1948م (78%)، وأطلق عليه "إسرائيل"، واحتل كامل مدينة بيت المقدس عام 1967م، وأطلق عليها اسمها الكنعاني القديم "أورشليم"، يحاول هذا الكيان إتمام المرحلة الثالثة من مشروعه بتهويد المسجد الأقصى وإطلاق تسمية رومانية قديمة له هي "المعبد" أو "الهيكل".
وعليه، فبعد أيام من احتلال البلدة القديمة في مدينة بيت المقدس، استولت سلطات الاحتلال على حائط البراق في السور الغربي للمسجد الأقصى وحولته والساحة الواقعة أمامه إلى مزار ديني باسم "المبكى"، وزعمت أنه الحائط الغربي لـ "المعبد" المزعوم. ومنذ ذلك الحين، تتنوع الاعتداءات والمخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى، حيث يمكن إجمالها في الحفريات تحت الأرض، والاقتحامات التي تتم لساحات المسجد ومبانيه المقامة فوق الأرض.
أولا: الحفريات والإنشاءات التهويدية
شرعت سلطات الاحتلال بالحفر في محيط المسجد الأقصى المبارك، وتحديدا فيما أطلقوا عليه اسم "الحوض المقدس" ويضم البلدة القديمة، إضافة إلى حيي سلوان والطور، منذ بدء الاحتلال. وتستند الحفريات في المنطقة التي تعتبر في معظمها أوقافا إسلامية أثرية إلى مزاعم صليبية أحياها مستشرقون منذ أواسط القرن الـ 19 بامتلاك اليهود لها في فترات ماضية وبحقهم في العودة إليها.
وبعد أن فشلت المراحل الأولى من الحفريات في العثور على آثار "يهودية" تثبت تلك المزاعم، تحوّل هدفها إلى استحداث هذه الآثار لخدمة الأهداف السياسية لدولة الاحتلال، على الرغم من القوانين الدولية التي تحظر المساس بالأراضي المحتلة، وبالمواقع الأثرية والأماكن الدينية. وأدت الحفريات تدريجيا إلى تخريب الآثار والأوقاف العربية والإسلامية المحيطة بالأقصى، وتطويقه بنحو 100 كنيس ومنشأة تهويدية أقيم بعضها تحت الأرض، فيما يمثل مدينة موازية لمدينة بيت المقدس تحكي الرواية المختلقة حول المكان. كما يعتقد أن الحفريات التي تتركز في الجهتين الجنوبية والغربية للمسجد الأقصى، حيث تتعدد الطبقات الأرضية التاريخية، قد تجاوزت أسوار المسجد المبارك ووصلت إلى كل من سبيل الكأس في ساحاته الجنوبية، وسبيل قايتباي في ساحاته الغربية.
الحفريات في الناحية الجنوبية:
بدأت هذه الحفريات في بقايا دار الإمارة الأموية التي تلاصق سور المسجد الأقصى الجنوبي واستمرت على مراحل وأدت إلى حدوث تشققات في السور مما استدعى إجراء ترميمات له من جانب دائرة الأوقاف الإسلامية. وبعدها، تم تحويل الجزء الغربي من بقايا القصور الأموية إلى حديقة أثرية ملاصقة لسور المسجد، بينما تجري حفريات حالية لتحويل الجزء الشرقي إلى "مطاهر" تابعة للمعبد المزعوم المراد بناؤه على حساب المسجد الأقصى وإلى مسارات سياحية.
ومن أمثلة الحفريات الجنوبية كذلك حفريات بلدة سلوان، والتي تتم بدعم جمعيات استيطانية مثل جمعية "إلعاد"، وتهدف إلى إنشاء مدينة أثرية استيطانية تصل شمالا عبر أنفاق إلى المسجد الأقصى المبارك. وأدت هذه الحفريات التي لا تزال مستمرة إلى تعرض عدة منشئات مقدسية لانهيارات، وإنشاء مسارات سياحية أطلق عليها "مدينة داود"، وإقامة بؤر استيطانية.
الحفريات في الناحية الغربية:
من أهم الحفريات في هذه الناحية حفريات طريق تلة المغاربة الملاصقة للسور الغربي للمسجد الأقصى قريبا من حائط البراق والتي تعتبر جزءا من السور وتتصل بباب المغاربة فيه. وقد أدت هذه الحفريات التي بدأت عام 2007م إلى هدم جزء كبير من هذه التلة الأثرية، والكشف عن غرف تحتها تقود إلى داخل المسجد المبارك. وتم استئنافها بوتيرة أهدأ عام 2012م بهدف تحويل هذه الغرف إلى كنس يهودية، وتوسيع ساحة البراق، وربط عدة إنشاءات وأنفاق تهويدية في الجهتين الغربية والجنوبية للأقصى معا، بغرض زيادة أعداد المستوطنين الذين يتمكنون من اقتحام المسجد.
ومن أهمها أيضا حفريات النفق الغربي الذي يمتد بطول السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك وتتفرع منه أنفاق جانبية يعتقد أنها وصلت إلى ما تحت المسجد بعد تساقط أشجار في ساحاته الغربية ووقوع انهيارات في هذه الساحات. وفضلا عن أثره في تصديع منازل المقدسيين المقامة فوقه، يضم النفق عدة إنشاءات تهويدية من بينها كنيس يقع قبالة صخرة المسجد الأقصى المبارك مباشرة على بعد 25 مترا منها، ومتحف تهويدي بالصوت والضوء، كما يرتبط عبر نفق بكنيس آخر أقيم على جزء من وقف "حمام العين" الواقع على بعد 50 مترا من باب المطهرة الوقع في السور الغربي للأقصى.
ثانيا: الاقتحامات ومنع المصلين من الوصول للمسجد
تمثل الاقتحامات الصهيونية -سواء من جانب قوات الاحتلال أو المستوطنين المتطرفين - ثاني أبرز انتهاك للمسجد الأقصى المبارك بعد الحفريات التي تهدد ما تحته. وتهدف الاقتحامات إلى فرض سيطرة "إسرائيلية" على ما فوق سطح المسجد، رغم أن شئونه الداخلية تخضع بموجب القوانين الدولية لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس والتابعة لوزارة الأوقاف الأردنية.
أولا: اقتحامات المستوطنين:
استولى الصهاينة على مفاتيح باب المغاربة القريب من حائط البراق في السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك بعيد الاحتلال، ودأبوا على إدخال غير المسلمين منه إلى الساحات الداخلية للمسجد والتي تمثل الجزء الأكبر من مساحته البالغة 144 دونم، بدون إذن دائرة الأوقاف الإسلامية. وأخذت اقتحامات المستوطنين اليهود شكلا دعائيا وظلت محدودة في البداية في ظل فتاوى يهودية منعتهم من دخوله. غير أن هذه الاقتحامات تصاعدت بحدة منذ الاقتحام الذي نفذه مجرم الحرب الصهيوني، أرئيل شارون، في استعراض للقوة في 28 سبتمبر 2000م، وهو الاقتحام الذي أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية.
بعد انتهاك وزير الأمن الداخلي الصهيوني عام 2003م لأمر أصدرته الأوقاف الإسلامية عقب الانتفاضة بمنع دخول السياح إلى المسجد الأقصى، وعلى مدى أعوام عشرة تالية، اتبعت السلطات الأمنية والدينية والقانونية في دولة الاحتلال سياسة متدرجة لإدخال المستوطنين اليهود إلى المسجد على هيئة سياح أولا، حتى أصبحت اقتحاماتهم لساحاته أمرا واقعا بصفة شبه يومية ويبلغ عدد المقتحمين حاليا نحو 1000 مستوطن شهريا.
وتهدف هذه الاقتحامات المتتابعة والتي تصحبها حاليا محاولات متصاعدة لأداء طقوس تلمودية في المسجد الأقصى إلى فرض وجود يهودي في ساحات المسجد الأقصى التي تعتبرها بلدية الاحتلال ساحات عامة تمهيدا لفصلها عن باقي المسجد المبارك وتقسيمه على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل والذي قسّم عقب مجزرة نفذها مقتحم صهيوني في فبراير 1994م بحق المصلين. وتجد هذه المحاولات دعما من الخارجية الأمريكية والتي دعت العام الماضي إلى إقرار "حق" لغير المسلمين "بالصلاة" في ساحات المسجد الأقصى، وحق آخر "بزيارة" مبانيه الرئيسية. كما يتجه المشرعون في دولة الاحتلال لسن قوانين تدعم تواجدا دائما لليهود في المسجد.
ثانيا: الاقتحامات الأمنية:
منذ وقوع جريمة إحراق المصلى القبلي الرئيسي في المسجد الأقصى عام 1969م على يد صهيوني تسلل عبر باب المغاربة بمواد حارقة، تزايدت مطالبات دائرة الأوقاف الإسلامية لسلطات الاحتلال بتسليمها مفاتيح هذا الباب. غير أن هذه السلطات رفضت، بل وعملت على إلغاء الحصرية الإسلامية للمسجد، وعلى زيادة تدخلها بتسيير شئونه الداخلية تدريجيا.
وحتى عام 2000م، نفذت سلطات الاحتلال عدة اقتحامات أمنية للمسجد الأقصى لقمع احتجاجات المصلين على تهويده، مما أدى إلى وقوع عدة مذابح بحقهم، منها مجزرة رافقت هبة النفق عام 1996م، ومجزرة رافقت اقتحام شارون عام 2000م. ولكن بعد تزايد وتيرة اقتحامات السياح والمستوطنين عام 2003م، وبحجة حمايتهم، تم إنشاء شرطة احتلالية خاصة بالمسجد الأقصى المبارك تتواجد بسلاحها في ساحاته بصفة دائمة. كما تنفذ قوات احتلالية أخرى خاصة في الأعوام الأخيرة اقتحامات عنيفة لقمع المرابطين في المسجد ولحصارهم في مبانيه الرئيسية لدعم اقتحامات نوعية للمستوطنين، مما يؤدي إلى إصابة العشرات من المصلين، فيما اعتبر تدريبا على فرض تقسيم المسجد المبارك بالقوة.
انتهاك حق الوصول إليه
في الوقت الذي يكتسب فيه "حق اليهود بالصلاة في "جبل المعبد"" زخما متصاعدا، تواصل سلطات الاحتلال إعاقة وصول المسلمين إلى المسجد الأقصى. حيث منعت سكان قطاع غزة من الوصول إلى مدينة بيت المقدس عقب الانتفاضة الثانية، كما حالت بين أبناء الضفة الغربية وبين حرية الوصول إلى المدينة مع بناء الجدار الفاصل في 2003م. فضلا عن ذلك، تعرقل سلطات الاحتلال وصول المقدسيين إلى مسجدهم من خلال رفع سن المسموح لهم بدخوله حتى 50 عاما خاصة في الفترات التي يعلن فيها المستوطنون عن اقتحامه، وتعمل على تقييد أنشطة الرباط المختلفة في المسجد الأقصى.
كما فرضت سلطات الاحتلال منذ عام 2005م أوامر إبعاد عن المسجد الأقصى لفترات متفاوتة بحق 25 من حراسه التابعين للأوقاف الإسلامية على خلفية تصديهم للمستوطنين المقتحمين خاصة عند محاولتهم إقامة شعائرهم في المسجد. كما تفرض محاكم الاحتلال إبعادا عن الأقصى على بعض المصلين لمجرد قيامهم بالتكبير أثناء تلك الاقتحامات، بل ودأبت مؤخرا على إصدار أحكام بالحبس بحق مصلين منهم أطفال بتهمة "التصدي لشرطة الاحتلال" داخل ساحات المسجد!
فضلا عن ذلك، يشمل الحصار المفروض على الأقصى منع أعمال التعمير والترميم التي تحتاج إليها مبانيه المختلفة، خاصة بعد نجاح المقدسيين وأهل الداخل الفلسطيني في ترميم أجزاء من التسويات الأرضية الواقعة تحت سطحه، وتحويلها إلى مصليات منها المصلى المرواني ومصلى الأقصى القديم قبل عام 2000م. كما تعرقل سلطات الاحتلال كذلك أعمال الصيانة الدورية وتركيب البلاط وأعمدة الإنارة وتجديد شبكة الكهرباء في المسجد المبارك.
خاتمة
تتصاعد الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك تحت أرضه وفوقها وتتخذ أبعادا رسمية منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، وهو ما يستدعي استنهاض المشروع العربي الإسلامي للحيلولة دون تمكن المشروع الصهيوني من إتمام مرحلة تحويل الأقصى إلى "معبد"، مع استمرار العمل على إنهاء الاحتلال الحالي لمدينة بيت المقدس خاصة بعد أثبت فشله في الإشراف على مقدساتها بعامة، والإسلامية بخاصة.