رسالة
من وحي مسرى الحبيب (صلى الله عليه وسلم)
- التفاصيل
- المجموعة الأم: المحتوي
- نشر بتاريخ الخميس, 30 أيار/مايو 2013 11:21
- الزيارات: 2980
من وحي مسرى الحبيب (صلى الله عليه وسلم)
بقلم: رقيه القضاة
سيدي يا رسول الله عليك أزكى وأطيب وأكمل صلوات الله, من أمة أحببتها فأحبتك, وأشفقت عليها فاتبعتك, ووثقت بخيريتها فآمنت بك وصدقتك, وما تزال تحتفي بك وتفتديك وتشتاق إليك كما تشتاق أنت إليها, فصلى عليك الله حتى ترضى.
أيها المبلغ الأمين, والداعي الشفيق, والرحمة المهداة من الله للعالمين, أكرم بها ليلة دعاك فيها سبحانه إليه, في رحلة طوفت فيها بين أقدس بقعتين على وجه المعمورة, وعرجت من قدسها إلى السماء, حتى وصلت مكانة لم تكن لأحد قبلك من العالمين.
يا صاحب الإسراء والمعراج, يا سراج الأمة المنير, وهاديها الرؤوف الرحيم, وهل هنالك من كلمات توفيك حقك, وتعبر عن فضلك, وتحمل إليك محبتنا مرسومة على شغاف القلوب, مستقرة في حبات العيون, اقرب من دمانا للوريد, ومن الدموع إلى الأحداق, وأصفي من ماء السماء حين ينهل طهورا حاملا معه تباشير الحياة.
سريت كما سرى البدر ماحيا أمواج الظلام, مشرقا به الصبح نديا معطر النسائم, ممزوجا رواؤه بأريج الود الذي فاض به قلبك الطاهر, وكما سرى البدر في ليل الحزانى والمكلومين فأطل بشعاعه الباسم عليهم يملا مآقيهم بدموع الرجاء وكما سرى البدر لحنا مسبحا يوحي بالغد القادم وفي ألقه وهج الحلم البديع, وعلى أجنحته النورانية الشفيفة قطرات الرهام الواعد بسقيا رحمة, تحيي الموات, وتبعث الدفء في العروق التي أيبست حياة الضنك فيها دماء الحياة, فأحالتها يبابا خواء, يعربد في قفرها الجائرون القساة العتاة, ويحكم في مظالمها البغي, ويتحكم في حرية إنسانها المتجبرون, فأين المفر¿ وأين انطلاقات الروح تجوب مدى النور, وتسبح للنور, وتحيا بمنهج النور, في جاهلية جيش الظلام وأهل الضلالة أولئك الذين أقاموا لهم منهجا جائرا عابثا, ساحقا لكل طموحات الإنسان, الذي خلق إنسانا حرا طليق المشاعر, عذب المنى آملا بل طويل الأمل, فإذ بالمنى تستحيل محالا, وإذ بالأماني العذاب سرابا, لأن القيود التي كبلت أعناق الضعفاء واغتالت أحلامهم, وحرمتها عليهم, فرضتها تلك المنظومات, من القيم الجاهلية الخرقاء, التي هزمتها أيها السراج المنير, حين أطلت علينا أولى إرهاصات التماعك, وحين حملت إلينا رسائل رب كريم رحيم, فأنت يا سيدي بهجة الكائنات, ورونق كل الصباحات الوضيئة, من يوم جئت إلينا حاملا مشعل النور, وسط اصطخاب أمواج ظلام الجاهلية, من يوم أوحى إليك الإله العظيم, بخير الرسالات, وجئت يا سيدي بالغيث الهتون بعد طول الظمأ, وجئت بلمسة الحنو الإلهي بعد قسوة الجبروت, وجئت براحة التوحيد, بعد عناء ضلالات الشرك, وغباوات التأليه لمن لا يستحق, فلا هو خلق ولا هو أعطى, ولا هو أمات ولا هو أحيا, ولا هو أغنى ولا هو أقنى, ولا هو حرر الأرواح التي أرهقتها القيود التي حرمتها آدميتها, وبعثرت أحلامها الإنسانية, ورفضت مبادئ رسالتك كل العقول المعطلة, وكل القلوب التي احتمت وراء أقفالها, وأرغت قطعان الشرك وأزبدت, وأطلقت أفاعي البيد نفثاتها السامة في وجوه أتباعك, الذين وجدوا أخيرا شواطئ الإنسانية بعدما طال سفرهم إليها, عبر بحار الظلمات التي امتدت قرونا قاسية عجاف, وجاءت المشاعل الرسالية على يديك مبدوءة بكلمة الرقي الأولى [اقرأ باسم ربك الذي خلق]
اقرأ وابحث واستنتج وفكر وتأمل, وأطلق لروحك العنان تحلق في فضاءات الحرية, بحثا عن حقائق الوجود ويقينياته, دون أن يملي عليك بشر مثلك ما تفعله وتعتقده وتسعى إليه, ولا تنس أن تعبد الإله الذي باسمه العظيم حررت روحك من الخرافة والجهل, وطهر قلبك من الشرك والقسوة, وبرحمته سكبت في حناياك مشاعر العزة والسمو, فأنت بشر كرمك الإله الواحد, الذي خلقك وعلمك ما لم تكن تعلم, فلا تعد أبدا إلى قيعان الوحل, بعد أن ارتقيت قمم الحياة الصارخة بنداء الوحدانية البهيج.
يا صاحب الإسراء والمعراج من دون الخلائق, إذ أنت أكرمهم على ربهم, سريت في رحلة تعجز الكلمات البليغة عن وصف حسنها, وجلاء معناها, ورسم مواطن بهاءها, ونظل عاجزين أمام هذه المعجزة العظيمة, التي اختصك بها ربك سبحانه, عاجزين عن الإحاطة بنورها, عاجزين عن شكر الله على ما أهدى إليك وإلى أمتك, من الكرامة والتقريب والفضل, وكيف نوفيه جل وعلا الشكر, على أنه سبحانه قد مد إلينا معراج الفلاح خمس مرات كل يوم وليلة, تاركا بابه مفتوحا للمستزيد, خمس صلوات هن هدية الخالق الرحيم لخلقه الضعفاء, حبال قوة, ومعراج سكينة, وحالات وجد عابق بأنسام الجنان.
أيها البشير المبشر, أي عزاء لمكلوم, وأي راحة لمتعب, وأي مكافأة لمخلص محبوب أرفع وأبهج مما آتاك ربك وأعطاك, أي رحلة تسرية وحنو وتشريع ورحمة, أجل من رحلتك من حرم الله الآمن إلى المسجد الأقصى المبارك بأمر الله, من مكة المسرى, ومن القدس المعراج, وفي الأقصى سلم إليك لواء الإمامة بالأنبياء عليهم صلوات الله, فأنت الإمام والشهيد وأمتك شهيدة على الناس, فأي فخر نلته وأية منزلة أوتيت وأي مرقا عزيز كريم ارتقيت.
الإسراء والمعراج, لمسة حنان وعزاء لك من رب العالمين, العالم بحالك, فالفقد كان كبيرا للزوجة الداعمة المحبة الحانية الكريمة المصدقة المعززة, وللعم المشفق المنافح في وجه الثورة الجاهلية العاتية المستميتة في الدفاع عن مصالحها الطاغوتية, والإيذاء والرد كان قاسيا من طواغيت الطائف, الذين قصدتهم وعندك بعض الأمل أن يكون فيهم رجل رشيد, والرحلة المليئة بالتوقعات والآمال, توجت برد أحمق جاهل جاهلي, ظالم ظلامي, وتنهال عليك الحجارة والشتائم والسفاهات, وأنت راض مخبت منيب, لا تلجا إلا لمن بيده مقاليد الأمور, وإليه ترحل روحك الطيبة الراضية كل حين, طالبة الرضى والرضى وحده,لا تبالي بمن سواه [ان لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك].
ويرضى عنك مولاك فوق الرضى, ويسري بك إليه سبحانه, لتعرف معنى رضاه سبحانه, وتغسل عن قلبك الطهور أحزانه, ويطوف بك الوحي الأمين ضفاف أنهار الجنة ووارف أفياءها, ويريك منازلها, ويفيض عليك ربك من آياته الكبرى, فأوحى إليك ما أوحى, من خير وبر ورشاد وسداد, وحملك لخلقه الصلوات والطيبات والبركات, وتظل ذكرى الإسراء والمعراج فينا متجددة, مذكرة بأن الأقصى إرثنا الرباني المحمدي, وانه معراج نبينا إلى السماء, وأن الصلوات الخمس أمانة الله لدينا, وهديته الكريمة إلينا, ونظل نرتل أبدا [سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير]