الثامن من أكتوبر 1990 مجزرة الأقصى الأولى : يوم سال الدم بغزارة…

المجموعة الأم: النشرة
نشر بتاريخ الأحد, 16 تشرين1/أكتوبر 2016 21:45
الزيارات: 2365

 

كيوبرس”/ محمود أبو عطا

 

يومها .. ظهيرة يوم الاثنين 8/10/1990 كان صوت لعلعة الرصاص عالياً في المسجد الأقصى، رصاص الغدر ووحشية الاحتلال الإسرائيلي فاق كل تصور .. يومها سال الدم بغزارة، انتهكت المحرمات وكل الخطوط الحمر، إن كان هناك خطوطاً حمراً أصلاً عند الاحتلال الإسرائيلي .

 

بعد أيام تحلّ الذكرى الـ 26 لمجزرة الأقصى الأولى، ولعلّ كثرة المجازر الصهيونية التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وكثافة الاعتداء على المسجد الأقصى، بل وعموم مقدساتنا الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة والداخل الفلسطيني، وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد تنسينا ولو لبرهة بشاعة وهوْل هذه المجزرة وتفاصيلها، إذ أنها كانت الأكثر دموية، لكن بالرغم من ذلك فإن تفاصيلها ما زالت محفورة في ذاكرة المقدسيين والشعب الفلسطيني بأسره.

 

ارتقى الشهداء واحدا تلو آخر، وسقط الجرحى واحدا تلو آخر، وارتفعت الأصوات، بل امتزجت أصوات الاستغاثة من مكبرات صوت المسجد الأقصى ومآذنه، مع أصوات الرشاشات الأوتوماتيكية والقنابل، وصوت هدير الطيارات، سالت دماء الشهداء الزكية، واختلطت مع الملابس، وامتلأت مصاطب الأقصى بالدماء، وأطلق الرصاص الحي على الصدر والرقبة والرأس، بل إن أدمغة بعض الجرحى والشهداء نزلت أرضا، من الآلاف الذين هبوا ولبوا نداء المسجد الأقصى، دفاعا عن القبلة الأولى.

 

الشرارة والحقد الاسود

كان الخطر يتفاقم على المسرى السليب، لم يكتف الاحتلال، باحتلاله المسجد، عام 1967م، ولم يكتف بإحراق أجزاء كبيرة من المصلى القبلي – المصلى الرئيس في المسجد الأقصى – عام 1969م، ولم يكتف بالاعتداء على المصلين من قبل متطرفيه عام 1982، ولم يكتف بالحفريات والأنفاق التي تخلخل اساساته وحاول اختراقه مرات ومرات عام 1986/1987م، وبدأت منظمات وجماعات مدعومة من المؤسسات الإسرائيلية الرسمية تعدّ العدة وتضع الخطط، وترسم المخططات، وتبرمج المراحل، وتعلن علانية أنهاء بدأت تعدّ العدةّ لبناء الهيكل المزعوم على حساب المسجد الأقصى.

 

كانت يومها اقتحامات محدودة للأقصى من قبل مستوطنين وأفراد في الجماعات اليهودية، لكن دعوات لإقامة الصلوات اليهودية الراتبة فيها أخذت تزداد وتتصاعد، ووصل الحد الى مطالبات لوضع حجر الأساس لبناء الهيكل داخل المسجد الأقصى، وإقامة المراسيم لذلك، لتكون بمثابة الخطوة الأولى لبناء الهيكل المزعوم.

 

أعلن ”جرشون سلمون” وجماعته ما يسمى ”أمناء جبل الهيكل” انه سيقومون بوضع حجر الأساس للهيكل، وينظمون مراسيم ذلك في المسجد الأقصى، بالتزامن مع عيد العرش العبري، وأعدوا العدة لذلك، وسمحت المحكمة  الإسرائيلية لهم مبدئيا بذلك، حددوا الموعد، قبل الساعة 11:00 من يوم الاثنين  8 تشرين 1990، واكفهرت الأجواء، واستشعر المقدسيون الخطر، وتنادوا قبل الموعد المذكور لحماية المسجد الأقصى، عبر احتشاد المصلين داخل المسجد منذ ساعات الصباح.

 

القتل الممنهج

في مساء عيد العرش، كانت أذرع الاحتلال الإسرائيلي قد وضعت خطة، لمجابهة المصلين في المسجد الأقصى، واتخذت قراراً بالاعتداء الغاشم على المسجد الأقصى وكل من يتواجد فيه، في صباح الاثنين المشهود. لم يكن حدث الاثنين، عفوياً، أو رد فعل فقط على أحداث قوية جرت في المسجد الأقصى، بل كانت خطة معدة للضرب بحديد، بضرب الرصاص الحي، وإنزال أقسى العقوبة بكل من تسول له نفسه الدفاع عن المسجد الأقصى، وتدفيع الثمن لمن يعترض على فكرة بناء الهيكل المزعوم.

 

وإلا كيف نفسر قول الضابط الإسرائيلي شلومو قتابي مرات عدة صبيحة ذلك الاثنين لعدد من المسؤولين في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس “نحن اليوم لا نلعب، ولا نمزح، وإذا رميتم الحجارة اليوم فسنغرق المكان بالدماء”، وكيف نفسر أن إطلاق الرصاص الحي استمر نحو نصف ساعة متواصلة دون انقطاع (من الساعة الحادية عشرة الا عشر دقائق حتى الساعة الحادية والعشرين دقيقة)، وكيف نفسر ان الرشاشات اوتوماتيكية أطلقت وابلا قويا من الرصاص الحي، بل إن هذه الرشاشات كانت معدة للإطلاق الاوتوماتيكي مسبقا، وهو عادة ما يكون في الحروب، وليس في ردع محتجين، وكيف نفسر إطلاق الرصاص من مسافة صفر، وإطلاق الرصاص على سيارات الإسعاف ورجال الإسعاف من أطباء وممرضات، كيف نفسر إطلاق الرصاص من مروحية عسكرية كانت تحلق في سماء المسجد الأقصى، كيف نفسر ترقية بعض ضباط قوات الاحتلال الذين شاركوا في المجزرة، بل وأداروها وأعطوا الأوامر بإطلاق الرصاص، يومها تحوّل المسجد الأقصى الى ساحة جريمة حرب على مصلين عزّل من الرجال والنساء والأطفال.

 

صمود رغم النزيف

الاحتلال كعادته يرتكب المجازر، ثم يعلن عن لجان تحقيق فيها، ثم يحمل الضحية المسؤولية، وهذا ما حصل بعد مجزرة الأقصى الأولى، ولعل أبشع ما يمكن الحديث عنه مما سمي يومها بلجنة “زمير”، أن صفحات تقرير التحقيق امتدت على نحو 70 صفحة، تلتها صفحة ونصف الصفحة فقط عن أحداث إطلاق الرصاص على المصلين في المسجد الأقصى.

 

إطلاق الرصاص الحي، وما سبقه وصاحبه من القنابل السامة، والمسيلة للدموع، والرصاص المطاطي، كل ذلك اطلقت مباشرة على المصلين دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ، ما أدى إلى استشهاد 21 شهيدا، وجرح أكثر من 200 منهم، كما اعتقل 270 شخصا داخل وخارج المسجد، اعتدي على الجرحى والمعتقلين، وما زالت صور المعتقلين، في صحن قبة الصخرة، ومنطقة سطح المرواني، شاهدة على قبح الاحتلال الإسرائيلي، طرح المعتقلون أرضا وكبلت أيديهم، وعوملوا بامتهان.

 

الجماهير المقدسية خاصة والفلسطينية عامة، احتشدت يومها لتدافع عن الحق الإسلامي الخالص في المسجد الأقصى، كان تجمعا عفويا، ورد فعل طبيعي وعفوي على مخططات الاحتلال الإسرائيلي، كانت الجماهير في معظمها من القدس، لكن أيضا من الضفة الغربية، ومن الداخل الفلسطيني، وسقط الشهداء من القدس والداخل الفلسطيني والضفة، لتمتزج الدماء الفلسطينية كلها بوحدة مشهد وموقف، وتعلي الصرخة في وجه الظالم، دفاعا عن المسجد الأقصى.

 

هذه الأحداث الميدانية أكدت للاحتلال أن المقدسين والفلسطينيين لا يمكن أن يتنازلوا عن ذرة تراب واحدة من المسجد الأقصى المبارك بمساحته الكاملة الـ 144 دونما، ولا شك أن الأحداث الميدانية فاجأت الاحتلال، بمدى استعداد الفلسطيني، وفي مقدمته المقدسي دفاعا عن المسجد الأقصى.

 

استبدل اليوم وضع حجر الأساس للهيكل، باقتحامات متتالية، بالعشرات والمئات أحيانا، ويحاول المستوطنون ونشطاء الجماعات اليهودية أداء الطقوس التلمودية والصلوات اليهودية، في المسجد الأقصى، هذا المشهد المتكرر، يذكر بالخطر الداهم على المسجد الأقصى، الذي ما زال الفلسطينيون متنبهين له، وما زالوا مستعدون لدفع الثمن مهما كان غاليا، من أجل الحفاظ وحماية المسجد الأقصى.

 

فهل يعي الاحتلال الاسرائيلي الدرس ؟!