تنسم عبير الأقصى في ذكرى الإسراء والمعراج

المجموعة الأم: المحتوي
نشر بتاريخ الخميس, 06 حزيران/يونيو 2013 11:38
الزيارات: 4748

 

يمتد المسجد الأقصى المبارك على مساحة 144 ألف متر مربع، فوق إحدى التلال الأربع التي تكوّن القدس القديمة وترتفع بها لأكثر من 800 متر فوق سطح البحر. وهو بهذا أشبه بربوة مرتفعة تكسوها الخضرة ويطيب هواؤها صيفا وشتاء. فهذه التلة يحيط بها سور ترتفع فوقه مآذن المسجد المبارك الأربع، وأغلبها مساحات خضراء تتوزع فيها مختلف أنواع الأشجار، وأهمها شجرة الزيتون المباركة. ولعلها الربوة التي أشار إليها القرآن الكريم حكاية عن عيسى وأمه عليهما السلام: "وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ". كما يقول مفسرون إنه المشار إليه في القسم المذكور في الآية الكريمة: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ".

والحق أن المسجد الأقصى المبارك ليس مجرد مبنى للصلاة، بل يحوى عدة مصليات تنتشر بين ساحاته الخضراء الرحبة. أهم هذه المصليات هو المصلى القبلي الرئيسي والذي يوجد به المنبر والمحراب، والذي أتت النيران على جزء كبير منه إبان الحريق الذي دبره الصهاينة للأقصى عام 1969م. فهنا يقف الإمام وتمتد صفوف المصلين خلفه خارجة منه لتملأ ساحات المسجد وجنباته الأربع التي يحيط بها السور.

 

كما تعد قبة الصخرة من أهم المصليات والمعالم في المسجد الأقصى المبارك. وهي في الحقيقة قبة للبيت المقدس كله، حيث أقيمت فوق الصخرة التي تمثل أعلى جزء في هضبة الأقصى والتي تقع في موضع القلب منه تقريبا.

 

وفضلا عن مصلياته العديدة التي تحيط بها أشجاره ومروجه العامرة، يزخر المسجد المبارك بالكثير من الآبار التي أقيمت لتجميع مياه الأمطار، وإمداد رواده وأهل القدس جميعا بها على مدار العام حتى عهد قريب.

 

وبين الخضرة والماء، تنتشر الكثير من المعالم الأثرية الجميلة التي أقامها المسلمون على مر التاريخ إعمارا وإكبارا لهذا الموضع المبارك. فهنا نجد الكثير من القباب، والأسبلة، والمصاطب، والمحاريب، والزوايا، والخلاوى، والمدارس التي تعود للعهود الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، وكلها تقع داخل أسوار المسجد الأقصى.

 

ولا عجب، فالمسجد الأقصى المبارك هو منبع البركة في القدس، وفي فلسطين، بل في الشام كله. إذ وصفه الله تعالى بالمبارك ما حوله، وهو ما يعني أن بركته، كما قال العلماء، لا تقتصر عليه، وإنما تمتد منه لتفيض على ما حوله. وهذه البركة حسية ومعنوية وتعني النماء والزيادة في الخير. ومن هنا جاء وصف بيت المقدس بالأرض المباركة في كثير من آيات القرآن الكريم. قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ."

 

هذا المسجد ما فيه موضع شبر إلا وصلى فيه نبي أو ملك، منذ أن وضع للناس بعد 40 عاما من المسجد الحرام، على يد آدم عليه السلام على الأرجح. فإلى أرضه هاجر إبراهيم ولوط عليهما السلام، وفيها عاش إسحاق ويعقوب عليهما السلام، ولأجلها خرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل من مصر. وهو مبعث عيسى عليه السلام. وإليه أسرى بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه بدأ معراجه إلى السماء، وفيه أمّ الأنبياء.

 

وقد جاءت هذه الرحلة النبوية الأخيرة إلى أولى القبلتين تسرية لخاتم النبيين بعد عام الحزن الذي فقد فيه زوجه خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب، وبشارة له بفتح المسجد الحرام الذي كان يعج حينها بأصنام الجاهلية، وبفتح المسجد الأقصى الذي كان محتلا بيد الروم. كما جاءت إعلانا عالميا بتصديق الرسالة المحمدية للرسالات السابقة عليها ووراثتها لها.

 

ومنذ تلك الزيارة التي تمت قبل أكثر من أربعة عشر قرنا، ظل المسجد الأقصى المبارك، وسيظل إلى يوم القيامة، مأوى للصالحين، ورباطا للمتقين .. أرض الأمل التي تهوى إليها قلوب وأفئدة المسلمين خاصة في أوقات المحن والبلاء.

 

قال صلى الله عليه وسلم: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.)

 

آيه يوسف/ القاهرة