الشهيدات الثماني.. رمال النقب وجبال القدس

المجموعة الأم: النشرة
نشر بتاريخ الأحد, 08 آذار/مارس 2015 20:24
الزيارات: 2540


الكاتب: أ.صالح لطفي
تاريخ النشر الأصلي: 2015-02-08

الناشر الأصلي: مركز الدراسات المعاصرة

 

الشهيدات الثماني.. رمال النقب وجبال القدس

 

إن استشهاد أخواتنا وأمهاتنا الماجدات المرابطات من النقب الأشم، وهن عائدات من رباطهن في المسجد الأقصى المبارك، يحمل مجموعة من الدلالات السياسية والأخلاقية... وحتى لا يأتي مكابر علينا ويقول إننا نوظف استشهادهن توظيفا سياسيا في وقت وقَع مصاب الحادثة على كل مسلم وإنسان فيه ذرة من خير وقْع الصاعقة، إلا أنه لا بد من أن نشير إلى ثلاث حقائق لا تتعارض وما أشرنا إليه.

أولا: الحالة السيئة للشارع في بنيته التحتية وتعرض حياة المسافرين والمارة والسائقين للخطر، لا لسبب إلا لأنه يمر من قرانا العربية في تلكم المنطقة من النقب، وبهذا تتكشف أخلاقيات المحتل "الإسرائيلي".


ثانيا: إن الجرارات الزراعية التي قتلت أخواتنا تقتل كل يوم أرض أهلنا هناك؛ تلكم الأرض التي نهبت وسرقت وسرق معها وجودنا وحاضرنا ومستقبلنا الحضاري الساعين لإعادته. وقد كانت هذه الجرارات أداة من أدوات المستعمر يمارس غيه وبطشه وجبروته على أهلنا..


وثالثا: إن وجود شرطة "وحدة موآف" مصاحبة لهذه الجرارات أثناء سيرها في هذا الشارع الخطير، ووقوع هذا الحادث المروع تحت سمع وبصر هذه الشرطة، يحمل الكثير من التساؤلات حول دور الشرطة التي قتلت قبل أيام قليلة شبابنا في النقب. وقد ذكرت وسائل إعلام عبرية "أنه بعد الحادث الدامي في النقب، والذي قتل فيه 8 سيدات، تبين أن رجال شرطة من "وحدة يؤاف" قد عملوا على حماية الشاحنة ومرافقتها". وللقارئ الكريم والقارئة الكريمة حق التحليل.


الشهيدات الثماني (فاطمة أبو القيعان، ومنى أبو القيعان، وكفاية العصيبي، ويسرا النباري، وخضرة السيد، ونورا الأطرش، وزانا أبو طراش ونعمة أبو شحيطة) لكل واحدة منهن قصة وحكاية ورواية مع الذات، ومع الأرض ومع النقب ومع القدس والأقصى.. ويحمل استشهادهن معاني كثيرة منها: العلاقة بين الأرض والإنسان، تماما كما يحمل معنى العلاقة الجغرافية والروحية بين النقب والقدس من جهة وبينهما والأقصى من جهة أخرى.


الشهيدات الثماني بدمائهن الزكية التي روت أرض النقب ترسل إلينا مجموعة من الرسائل السياسية والأخلاقية؛ منها -على سبيل المثال لا الحصر- أن أرض النقب جزء لا يتجزأ من أكناف بيت المقدس، وأنها مقدسة بقدسية المسجد الأقصى المبارك، وأن هذه الأرض لا يمكن لكائن من كان أن يفصلها أو أن تفصلها الجغرافيا-السياسية المحكومة برسم القوة عن بعضها البعض؛ فلا الحواجز العسكرية ولا الحواجز الأمنية ولا الكتل الاستيطانية ولا الجدار الفاصل تستطيع أن تفصل رمال النقب عن جبال القدس، ولا عن روح وريحان المسجد الأقصى المبارك، وكأن الشهيدات بعثن برسالة إلينا -نحن معاشر المسلمين- أن لا ننسى ولا نغفل عن المسجد الأقصى المبارك. ويكأنهن يذكرن جميع المسلمين، وعلى رأسهم نحن الفلسطينيين، بفتاوى العلامة رشيد رضا: "إنَّ من يبيع شيئا من أرض فلسطين وما حولها لليهود أو للإنكليز فهو كمن يبيعهم المسجد الأقصى المبارك" [انظر الفتوى، في موسوعة الفتاوى الفلسطينية، ص392]....


وبموتهن هذه الميتة، التي ارتضاها الله لهن، يضعن بعض النقاط على الحروف، فيُقِمْن الحجة على كل من عنده الإمكانية لشد الرحال ولا يفعل، فلكل واحدة منهن اسم وقصة تروي علاقتها بالأرض، وتروي علاقتها بالمسجد الأقصى المبارك، وكأنهن يعلمننا دروسا في علاقة السياسة بالأخلاق في زمن صارت السياسة فيه فن الممكن وتبرير الهزيمة والتبعية وتمرير المخططات. فشد الرحال إليه لا يأتي فحسب لأسباب تعبدية بل أيضا على قاعدة "ولي فيها مآرب أخرى"، إذ أن مراغمة الباطل الإسرائيلي بوجودهن ورباطهن في الأقصى يحقق -فضلا عن القاعدة التعبدية- أساسها العقدي الذي يعتبر الأقصى آية في كتاب يربط الحرمين الشريفين بالأقصى المبارك، فتتناسل منظومة أخلاقية من هذا البعد العقدي بضرورة الحفاظ على المسجد الأقصى، وتتناسل أحكام فقهية من هذه الحقيقة العقدية.. والشهيدات رحمهن الله تعالى لسن عالمات شرعيات، ولكنهن مرابطات ماجدات، بأجسادهن الضعيفة، يؤكدن القواعد العقدية، إذ يُحِلنَ النص إلى واقع له قسماته السياسية وله قسماته الشرعية وله قسماته الأخلاقية الجامعة بين دفات حب الأرض وحب الوطن وحب الأقصى وحب الله، إذ تتعاظم العلاقة بين "الفرد" والرب تبعا للرباط القلبي والحسي الحاصل عند الفرد..


والشهيدات رحمهن الله برباطهن في المسجد الأقصى المبارك، مع كبر سنهن، يذكّرنَ الجميع أنَّ المفاوز يجري تجاوزها بالإرادات. فلله درهن وهن يذكرن الله في فضاءات المسجد الأقصى سابقات أهل التأله والسياسة، تلهج السنتهن بالدعاء دعوة صالحة متقبلة، ويُغظن بأجسادهن المنهكة -التي هجرت من أرضها وعاشت تضاعيف النكبة- من يسيطرون على المشهد السياسي الإسرائيلي من المتطرفين ممن باتوا يُحسبون على التيار الديني الصهيوني بمدارسه المختلفة والتيار الحاريدي المتصهين، يدعمهم العالم المنافق وساسة النفاق العربي ومعهم جموع البيادة من إعلاميين ومفكرين وسياسيين.

 

 

إنهن يمثلن المرأة الفلسطينية المجاهدة التي تقف أمام الصلف الإسرائيلي في أواخر العصر الصهيوني.. بدمائهن الطاهرة يضعن النقاط على الحروف لدوام تثوير السير إلى الله عبر بوابة الرباط...الرباط.. على الأرض وفي الأقصى..