بيت المقدس ومعالم تهويدها على يد الاحتلال الاسرائيلي (بحث)

المجموعة الأم: الاقصى فى خطر
نشر بتاريخ الجمعة, 08 تشرين2/نوفمبر 2013 21:06
الزيارات: 2971

 

 

إعداد: آيه يوسف - إشراف: أ.د. إبراهيم أبو جابر

 

في مادة "الاحتلال الحالي لبيت المقدس منذ عام 1948م"

للفصل الثالث من العام الأول في دبلوم دراسات بيت المقدس على الإنترنت من مجمع دراسات بيت المقدس، بانجلترا

 

بتاريخ: 10-8-2013م


 

 

مقدمة

 

يعني تهويد مدينة بيت المقدس طمس هويتها وماضيها، واستبدال هوية صهيونية بهما، بهدف فرض واقع يثبّت الاحتلال الصهيوني للمدينة وللمنطقة المقدسة برمتها، هذا الاحتلال الذي تم على مرحلتين عامي 1948 و1967م، وذلك لمنع أي حل مستقبلي لا يسلّم برؤيته هو فقط.

 

لقد أدت المرحلة الأولى من الاحتلال عام 1948م إلى اعتراف دولي وعربي شبه كامل (بالدولة الصهيونية) التي تأسست في ذلك العام، ولم تكتف هذه الدولة بذلك، بل استكملت المرحلة الثانية من الاحتلال عام 1967م، رافضة الاعتراف بكونها قوة احتلال في الأراضي الجديدة وفق ما نص عليه القانون الدولي، بل ألحقت هذه الأراضي بالجزء المحتل في المرحلة الأولى، ثم أعلنت كامل مدينة بيت المقدس عاصمة لها، ووضعت الخطط والمشاريع لتهويدها وتهويد باقي المنطقة المقدسة بهدف تحويل الاحتلال إلى واقع.

 

وتعمل خطط الاحتلال لتهويد مدينة بيت المقدس على عدة مستويات، أهمها المستوى السكاني، والمستوى العمراني كما سنوضح في الصفحات التالية.

 


 

 

أولا: على المستوى السكاني:

 

مثلما استهلت مملكة بيت المقدس اللاتينية حكمها للمدينة المقدسة عام 1099م بمجزرة أودت بحياة 70 ألفا من سكانها العرب والمسلمين، كشرت العصابات الصهيونية عن أنيابها قبيل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1948م, فنفذّت هذه العصابات سلسلة من جرائم التطهير العرقي بحق 60 ألف فلسطيني مثّلوا حوالي نصف عدد سكان القسم الغربي من مدينة بيت المقدس، فلم يتبق فيه بنهاية هذا العام سوى بضعة آلاف من الفلسطينيين، في مقابل نحو 80 ألف يهودي؛ أعقب ذلك فرض قوانين جائرة لاستكمال تهويد هذا القسم، منها قانون "أملاك الغائبين، والذي صودرت بموجبه الأملاك التي تركها الشهداء والمهجرون الفلسطينيون، بحجة كونهم "غائبين"، وتحولت إلى أملاك لحكومة الاحتلال.

 

تكرر سيناريو التطهير العرقي والتهجير ضد الفلسطينيين مع القسم الشرقي من مدينة بيت المقدس منذ احتلاله في 5-6-1967م، لكنه اتخذ طابعا متدرجا. فقد وضعت حكومات دولة الاحتلال "إسرائيل" المتعاقبة سياسة مجحفة بحق السكان الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة خارج المدينة، حيث ظلت تحدد نسبا سكانية محدودة لهم مقارنة باليهود وتقلل منها باستمرار حتى بلغت النسبة المطلوب الوصول إليها اليوم 12% فقط تقريبا من التعداد الإجمالي لسكان المدينة.

 

لتحقيق هذه النسبة المستهدفة، اتبعت دولة الاحتلال سياسة مصادرة الأراضي وهدم المنازل وتشريد أهلها باعتبارها المالك الحصري لأراضي المدينة. فقامت بعد أربعة أيام من احتلال شرقي مدينة بيت المقدس بهدم حارة المغاربة المقابلة لحائط البراق في السور الغربي للمسجد الأقصى في البلدة القديمة، وتسويتها بالأرض لتوسعة الساحة أمام الحائط، مما أدى إلى تهجير سكانها. كما تمت مصادرة حارة الشرف المجاورة، وتشريد سكانها، لصالح توسيع حارة اليهود القريبة وإقامة ما يعرف بــ "الحي اليهودي" في البلدة. كما صودرت مئات البيوت والعقارات المقدسية بحجة كونها أملاك غائبين، أو بحجة أصولها اليهودية، أو لعدم قدرة أصحابها على دفع الضرائب الباهظة التي فرضها المحتلون، ومن أهمها ضريبة الأرنونا التي يخضع لها 80% من المقدسيين.

 

استمرت مصادرات الأراضي الفلسطينية في مدينة بيت المقدس لصالح الاستيطان اليهودي حتى اليوم في الوقت الذي استمر فيه توسيع حدود المدينة على حساب باقي أراضي الضفة الغربية، واستمر معه التضييق على السكان الفلسطينيين. فقد أقامت دولة الاحتلال عدة أطواق من المستوطنات اليهودية، على نحو 40% من مساحة القسم الشرقي من المدينة، لعزل الأحياء الفلسطينية في هذا القسم عن عمقها في الضفة الغربية، وعن بعضها البعض، كما خصصت 40% أخرى كاحتياط للمستوطنات. كما لم تسمح للفلسطينيين بالبناء إلا على 14% فقط من مجمل مساحة المدينة. فضلا عن ذلك، وضعت شروط تعجيزية لمنحهم تصاريح البناء، مما اضطرهم للبناء بدون ترخيص، وهو ما يجعل منازلهم عرضة للهدم بحجة عدم الترخيص.

 

من جهة ثانية، فرضت دولة الاحتلال قيودا على حق الفلسطينيين في العيش في المدينة، فقد منحتهم هوية "مقيمين"، لا مواطنين، وهو ما يعني سهولة حرمانهم من العيش فيها، بإسقاط حق الإقامة أو بسحب الهويات؛ كما لا يحق لهم التصويت للحكومة ولا الترشح. وفي الوقت نفسه، أدى التغيير المستمر في حدود المدينة، ثم إقامة جدار الفصل العنصري حولها، إلى حرمان عشرات الآلاف من حاملي الهويات الزرقاء من الوصول إلى المدينة أو الإقامة فيها. كما فرضت قيود على تسجيل الأطفال الذين يولدون خارج المدينة لآباء مقدسيين.


 

 

ثانيا: على المستوى العمراني:

 

عملت سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" على تصفية مدينة بيت المقدس عمرانيا، من خلال التركيز على القسم الشرقي منها والذي يضم أهم المقدسات والآثار العربية والإسلامية والمسيحية في المدينة، ومن خلال ادعاء أحقية في أهم هذه المقدسات، وهو المسجد الأقصى المبارك الذي يمثل 1/6 مساحة البلدة القديمة. ففي إطار استهدافها لبيت المقدس، تم تدبير حريق في المسجد بعد عامين من احتلاله (1969م)، واتهم بتنفيذه متطرف صهيوني، كما تعددت محاولات تخريبه ونسف أجزاء منه، واستهداف المصلين فيه. وتقوم سياسة الاحتلال في التهويد العمراني لمدينة بيت المقدس عموما، وللمسجد الأقصى المبارك خصوصا، على النحو الآتي:

 

 

أقامت سلطات الاحتلال سلسلة حفريات متشعبة ركزت على محيط المسجد الأقصى وتحولت إلى أنفاق تستخدم لدعم الرواية الصهيونية حول المكان من خلال الإعلان المتكرر عن العثور على ما يرتبط بأسطورة "الهيكل" الذي يزعمونه في موضع المسجد. وتؤدي هذه الأنفاق التي يعتقد أنها وصلت إلى ما تحت سطح المسجد الأقصى المبارك، إلى الهدم التدريجي للمعالم العربية والإسلامية حول المسجد، وإلى تعريض أسواره وبعض مبانيه لخطر التدمير.

 

الحفريات الصهيونية تحت المسجد الأقصى وفي محيطه

 

 

تم إاقامة منشآت يهودية فوق أنقاض المعالم الأثرية العربية والإسلامية المحيطة بالمسجد الأقصى والتي يجري هدمها تدريجيا، خاصة في حارة المغاربة، وساحة البراق، والحي اليهودي، على شكل كنس ومدارس، بعضها داخل الأنفاق المذكورة سابقا. ونتيجة لذلك، أصبح المسجد الأقصى حاليا مطوقا بنحو 100 منشأة يهودية تسهم في تعزيز الوجود اليهودي حول المسجد، بما يمهد لفرض مخطط تقسيمه على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل.

 

فضلا عن ذلك، أقيمت في هذه المنطقة وحولها مشاريع ظاهرها سياحي خدماتي، ولكنها في حقيقتها تهويدية تعتمد على جذب السياحة العالمية، مع خلق آثار يهودية وهمية، من خلال سرقة آثار عربية وإسلامية أو تزييفها، وذلك لتسويق الرواية الصهيونية. وهذه المشاريع متواصلة ومتصلة بمخططات الحفريات والتقسيم كذلك.

 

إضافة إلى ذلك، تم الاستيلاء على نسبة كبيرة من الأوقاف المسيحية في المدينة، خاصة في ساحة عمر أمام باب الخليل في السور الغربي للبلدة القديمة، عن طريق التحايل والتآمر مع رجال دين مسيحيين من غير العرب.

 

فضلا عن ذلك، يجري استهداف عدة مقابر إسلامية في مدينة بيت المقدس، ومنها مقبرة مأمن الله التي حولت أجزاء كبيرة منها إلى منشئات خدماتية، ومقبرة باب الرحمة، والتي يجري تحويل أجزاء منها إلى حدائق سياحية تهويدية.

 

الإنشاءات التهويدية حول المسجد الأقصى

 

 

بحجة التطوير، تم تهويد أجزاء من سور البلدة القديمة في مدينة بيت المقدس، من خلال دسّ حجارة جديدة تحمل رموزا يهودية، أو وضع أختام يهودية على الحجارة الأصلية. كما استخدمت أحجار جلبت من القرى العربية المهجرة لبناء بؤر استيطانية يهودية داخل المدينة.

 

كما تم تزوير أسماء الكثير من معالم مدينة بيت المقدس، من خلال عبرنتها.

 

تحويل مسجد النبي داود إلى كنيس يهودي
 

 

الخاتمة:

 

تغيّر المشهد العمراني والسكاني العربي الإسلامي في مدينة بيت المقدس كثيرا لصالح المحتل الطارئ، وبسبب سياسات التهويد "الإسرائيلية" هذه، أصبح الشعب الفلسطيني العربي في أقدس جزء من فلسطين، "مدينة بيت المقدس"، أقلية بعد أن كان أكثرية أصلية، وتم تشويه بعض معالم المدينة الصامدة منذ قرون بينما يجاهد بعضها الآخر من أجل البقاء، مما يصعب معه القول بأن المدينة لا تزال عربية إسلامية.


 

 

المراجع:

 

أبو جابر، إبراهيم. مستقبل القدس وسبل إنقاذها من التهويد، مركز الدراسات المعاصرة، أم الفحم، 1997م