المرحلة السادسة: احتلال الفرنج لبيت المقدس

المجموعة الأم: المحتوي
نشر بتاريخ الأحد, 09 حزيران/يونيو 2013 04:59
الزيارات: 7571

المرحلة السادسة: احتلال الفرنج لبيت المقدس

 

من 492هـ/1099م – 583هـ/1187م

 

ضعف المسلمون عن التمسك بدينهم، وتفرقت بهم الأهواء، فتناحروا فيما بينهم، مما كان له الدور الفاعل في توغل الفرنج إلى قلب العالم العربي والإسلامي، إلى بيت المقدس، ليظل المسجد الأقصى المبارك أسيرا بأيديهم قرابة مائة عام.

 

 

 

منذ البعثة الخاتمة وعلى مدى خمسة قرون، حقق المسلمون إنجازات سياسية واقتصادية هائلة وانتصارات عسكرية مزلزلة على دولة الروم [1]. فقد أنهوا قرابة سبعة قرون من سيطرة الرومان Romans، الوثنيين ثم البيزنطيين، على الشام وشمال إفريقية، وذلك في عهد الخلافة الراشدة. واستمرت حركة المد الإسلامي في عهد الدولتين الأموية والعباسية، ليواصل المسلمون فتوحاتهم على حساب الدولة الرومانية الشرقية (البيزنطية) شرقا، بل ولتقوم لهم دولة، هي دولة الأندلس Al-Andalus، في شبه جزيرة أيبيريا Iberia أقصى جنوب أوروبا غربا.

وكان لهذه الفتوحات أثر بالغ في زرع روح الانتقام لدى تلك الأمة المنهزمة أمة الروم التي كانت من قبل صاحبة السيادة في البحر المتوسط الذي كان يعرف باسم "بحر الروم"، من جهة، وبين الأمة الجديدة المنتصرة، أمة المسلمين، التي انصهرت فيها قوميات عدة من عرب Arabs وفرس Persians وأتراك Turks وأكراد Kurds وبربر Berbers بعثت الروح فيها كلما آلت دولة من دولها إلى الضعف، من جهة أخرى.

 

توسع الدولة الأموية في عهد هشام بن عبدالملك 
(المصدر: موقع المعلم)
(اضغط لتكبير الصورة)

 

 

أقصى امتداد للدولة العباسية قبيل عصرها الثاني عصر الانقسام
(المصدر: موقع "تاريخ الحكام والسلالات الحاكمة" على الإنترنت) (اضغط لتكبير الصورة)

 

ولكن، رغم ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية من تقدم على مختلف المستويات الثقافية والأدبية والعلمية، خاصة في عهد الدولة العباسية، بعصريها الأول والثاني، لحقت سنة التاريخ بالأمة مع ضعفها عن التمسك بمنهج الله تعالى، على مستوى الحكام ثم العامة، ومع انقسامها إلى جماعات يحارب بعضها بعضا. فقد فقدت فيها قيمة العدل التي كانت قد ضمنت لها السيادة على بيت المقدس منذ البعثة الخاتمة، ونتيجة لذلك، غدت بلادها نهبا للروم رغم أنهم كانوا أضعف منها حضاريا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا. [2]

يقول المفكر الإسلامي الكبير، الاستاذ أبو الحسن الندوي، في كتابه "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" متحدثا عن الانحراف الذي أصاب الحياة الإسلامية بعد الخلافة الراشدة، وخلال عهد خلفاء بني أمية وبني العباس:

"ولم يكن رجال الحكومة حتى الخلفاء أمثلة كاملة في الدين والأخلاق، بل كان في كثير منهم عروق للجاهلية ونزعاتها، فسرت روحهم ونفسيتهم في الحياة العامة والاجتماع، وأصبحوا أسوة للناس في أخلاقهم وعوائدهم وميولهم، وزالت رقابة الدين والأخلاق، وارتفعت الحسبة، وفقدت حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطانها، لأنها لا تستند إلى قوة ولا تحميها حكومة، وإنما يقوم بها متطوعون لا قوة لديهم ولا عقاب، والدواعي إلى خلافها متوافرة قوية، فتنفست الجاهلية في بلاد الإسلام ورفعت رأسها، وأخلد الناس إلى الترف والنعيم وإلى الملاهي والملاعب، وانغمسوا في الملذات والشهوات واستهتروا استهتارا، ونظرة في كتاب الأغاني وكتاب الحيوان للجاحظ تريك ما كان هنالك من رغبة جامحة إلى اللهو، وتهافت على الملاهي والملذات، ونهمة للحياة الدنيا وأسبابها، وبهذه السيرة، وبهذه الأخلاق المنحطة، ومع هذا الانهماك في الملاهي لا تستطيع أمة أن تؤدي رسالة الإسلام، وأن تقوم في الدنيا مقام خلفاء الأنبياء، وتذكر بالله والآخرة وتحض على التقوى والدين، وأن تكون أسوة للناس في أخلاقها، بل لا تستطيع أن تتمتع بالحياة والحرية زمنا طويلا: "سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا".

فخلال العصر العباسي الثاني الذي كان قد بدأ منذ عام 232هـ / 847م تقريبا، شاعت مظاهر ابتعاد الأمة عن منهج ربها، وانتشرت المعاصي، وانشغل الكثيرون بقشور الحضارة ومباهجها عن لبابها، حتى أصبح الهم الأول لهم هو جمع الأموال واتخاذ الجواري والغلمان.

 

 قاد حب الدنيا والتهافت عليها إلى التنازع والتفرق، سياسيا ثم دينيا، وكان هذا المظهر الأخير هو الخلل الأفدح. فقد ظهرت أواخر القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي خاصة كثير من الفرق المنحرفة ذات العقائد المشوهة، رعتها أطماع سياسية لجماعات حملت الاسلام اسما بلا حقيقة. وكان من أبرز مظاهر هذا التفرق أن نازع العبيديون الفاطميون Fatimids الذين ينتسبون للفرقة الإسماعيلية من الشيعة دولة الخلافة العباسية الأمر، بل وأعلنوا قيام خلافة مستقلة حوالي عام 296هـ / 909م.

 

 

توسع الدولة الفاطمية على حساب أراضي الخلافة العباسية 
(المصدر: موقع تاريخ الحكام والسلالات الحاكمة على الإنترنت) (اضغط لتكبير الصورة)

 

وهكذا، انقسم المسلمون في ذلك الحين وتمزقت وحدتهم السياسية بين ثلاثة كيانات: الخلافة العباسية في المشرق، والخلافة العبيدية الفاطمية التي كانت قد بدأت في المغرب، ثم استقرت في مصر وجزء من شمال إفريقية، والخلافة الأموية بالأندلس [3]. وفي نفس الوقت، برز التنازع بين الأمراء والوزراء داخل كل من الدول الثلاث سعيا وراء المصالح والنفوذ، ووصل إلى حد التقاتل.

 

انقسام الأندلس إثر سقوط دولتها الأموية عام 1031م
(المصدر: موقع المعرفة)

 

ونتيجة لهذا الضعف، وخلال القرنين التاليين، تعرض المسلمون وتعرضت بلاد الإسلام لغزوات الفرنجFranks (الصليبيين Crusaders) [4]، وفي هذا يقول الأستاذ الندوي: "بدأت الغزوات الصليبية – التي كانت تهدف أولا إلى الاستيلاء على االأماكن المقدسة عند المسيحيين – تتحدى الإسلام والمسلمين كلهم، وتهدد الجزيرة العربية ومهد الإسلام والدول المجاورة للشام، واستولى الصليبيون الأوروبيون فعلا على القدس، وعلى عامة مدن الشام وقلاعه، وطمعوا في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا أكبر خطر على الإسلام والمسلمين بعد فتنة الردة."

 

كان بيت المقدس قد خضع لحكم الفاطميين سنة 358هـ / 969م، بعد أن أنهوا حكم الإخشيديين الذين كانوا قد استقلوا به من قبل عن الخلافة العباسية. ولمدة 100 عام تقريبا، غلب على المدينة المذهب الشيعي العلوي المتطرف، حتى إن الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر، رضي الله عنهما، كانا عرضة للسب من فوق مآذنها. كما تأرجح الفاطميون بين المبالغة في إكرام النصارى وبين اضطهادهم.



غير أن دماء جديدة تدفقت في شرايين الخلافة العباسية بسيطرة الأتراك السلاجقة Seljuk Turks على أراضيها، فاستعادوا وحدة كل من الشام والعراق وفارس وخراسان. وفي سنة 463هـ / 1071م، نجح سلطان السلاجقة الثاني، ألب أرسلان Alp Arslan، في إنهاء الحكم الفاطمي للقدس.

 

الأتراك السلاجقة يحيون دولة الخلافة العباسية ويلحقون الهزائم بالدولة البيزنطية حتى عام 1092م
(المصدر: "تاريخ الحكام والسلالات الحاكمة" على الإنترنت) (اضغط لتكبير الصورة)

 

على أي حال، لم يدم حكم السلاجقة للمدينة إلا 25 عاما تقريبا فقط. فبعد وفاة سلطانهم ملكشاه بن ألب أرسلان Malik-shah، انقسمت دولتهم الموحدة إلى خمس دول دخلت في حروب طاحنة، بينها دولة في الشام ودمشق Damascus، ثم ازدادت الانقسامات بينها، فانقسمت هذه الدولة أيضا، بحيث تفردت أسر حاكمة بكل مدينة فيها، مما مهد السبيل أمام عودة الفاطميين للسيطرة على القدس. وتم ذلك في سنة 489هـ / 1096م، بعد أن ساعدهم بعض أهلها المتأثرين بالمذهب العلوي. غير أن هذا الحكم الثاني للفاطميين في القدس لم يتجاوز، بدوره، ثلاثة أعوام، إذ سرعان ما احتلها الفرنج. 

ففي مقابل انقسام الحكام المسلمين وتحاربهم، بدأ الفرنج، والذين كانوا يعانون من أوضاع حضارية ومدنية بالغة السوء في هذه الحقبة من عصورهم الوسطى، نتيجة تناحر حكامهم، وانتشار الفقر والجهل والمرض بينهم، في التجمع والتوحد على هدف استرداد البلاد التي كانت سابقا بيد الروم، والذي توسع ليشمل تهديد كافة المسلمين وكافة بلاد الإسلام. 

وكان بعض حكام المسلمين قد نجحوا في التصدي لهجمات متفرقة من جانب أعدائهم سواء في شرق أوروبا أو في غربها قبيل انطلاق الغزاة الفرنج إلى قلب العالم الإسلامي في الشام، مما ولد لدى أولئك الغزاة مرارة كبيرة. ففي نفس العام الذي أعاد فيه السلاجقة القدس إلى دولة الخلافة العباسية، وهو عام 1071م، هزمت جيوشهم بقيادة ألب أرسلان الرومان البيزنطيين في معركة ملاذكرد Battle of Manzikert في الجنوب الشرقي من هضبة الأناضول (تركيا حاليا) ليؤكدوا سيطرتهم على آسيا الصغرى Minor Asia. وفي عام 479هـ / 1086م، تمكنت دولة المرابطين Almoravids الفتية، بقيادة يوسف بن تاشيفين، من إنزال الهزيمة بملوك قلعة قشتالة النصارى في معركة الزلاقة az-Zallaqah بالأندلس على الحدود بينها وبين القلعة الواقعة إلى الشمال.

 

الأندلس في عهد دولة المرابطين
(المصدر: أطلس تاريخ الإسلام – د. حسين مؤنس)
 (اضغط لتكبير الصورة)

 

يقول ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ": "كان ابتداء ظهور دولة الفرنج، واشتداد أمرهم، وخروجهم إلى بلاد الإسلام، واستيلائهم على بعضها، سنة 478هـ، فملكوا مدينة طليطلة [5] وغيرها من بلاد الأندلس (...) ثم قصدوا سنة 484هـ صقلية [6] وملكوها، (..) وتطرقوا إلى أطراف إفريقية، فملكوا منها شيئاً وأخذ منهم، ثم ملكوا غيره. " ويضيف: "فلما كان سنة 490هـ خرجوا إلى بلاد الشام."

 

ويشير ابن الأثير إلى سبب اختيارالفرنج للشام كهدف للغزو، فيذكر أن ملك صقلية، لما رأى رغبتهم في غزو إفريقية عن طريق بلاده، خشيهم على ملكه، فنصحهم بذلك. ولكنه يضيف: "وقيل إن أصحاب مصر من العلويين، لما رأوا قوة الدولة السلجوقية، وتمكنها واستيلاءها على بلاد الشام إلى غزة، ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم ودخول أقسيس [7] إلى مصر وحصرها، خافوا، وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوه، ويكونوا بينهم وبين المسلمين، والله أعلم."

 

والحق إن مراسلات جرت بين الفاطميين والغزاة الفرنج إبان خروج الفرنج إلى الشام أواخر القرن الخامس الهجري / بدايات القرن الحادي عشر الميلادي، كما سنرى فيما بعد، تشير إلى تحالف الفاطميين معهم ضد السلاجقة، بما يدلل على عمق الانقسامات في صفوف المسلمين في ذلك الوقت مما ساهم في تمكين الغزاة من تحقيق هدفهم في الوصول إلى الأرض المباركة في فترة وجيزة. كما استغل الفاطميون انشغال السلاجقة بقتال الغزاة ليستولوا منهم على المزيد من مدن الشام.

 

مبعوثون بين الفاطميين والبيزنطيين بهدف التحالف ضد السلاجقة
(المصدر: مدونة "الخلافة الفاطمية" على موقع الصور فليكر)

 

في المقابل، ما إن استنجد الرومان البيزنطيون (من طائفة الأرثوذكس) بالفرنج (من طائفة الكاثوليك) بعد هزائمهم المتلاحقة على يد السلاجقة، حتى تناسوا الأحقاد بينهم وقرروا التحالف على حرب المسلمين. وبرز ذلك في الدعوة التي وجهها بابا الكاثوليك، أوربان الثاني Pope Urban II، لنصارى أوروبا للمشاركة في الحرب، مستغلا حميتهم الدينية. إذ وصف أوربان النصارى بـ"شعب الله المحبوب المختار"، بينما اعتبر المسلمين "كفارا" يسيطرون على الأرض المباركة، ويمنعون النصارى من الحج إليها، وذلك في خطبة بليغة ألقاها بمدينة كليرمونت Clermont بجنوب فرنسا في عام 488هـ / 1095م. واستمر البابا على مدى تسعة أشهر يجمع شتات أمراء أوروبا على المشاركة في الحرب التي أعلنها حربا دينية مقدسة، مطالبا إياهم بارتداء صليب من القماش على صدورهم أو على جباههم، بما يشير إلى توحد صفوفهم على هدف "حماية مهد المسيح"، ومانحا إياهم الغفران.

 

وصل الغزاة الفرنج (الكاثوليك)، في بداية انطلاقهم باتجاه الشرق المسلم، إلى القسطنطينية (بيزنطه) عاصمة الرومان البيزنطيين (الأرثوذكس) في شعبان 489هـ / يوليو 1096م. ولكن، ارتكبت طلائعهم الأولى غير المنظمة العديد من الفظائع ضد حلفائهم البيزنطيين من الطائفة المخالفة لهم، وكذلك ضد اليهود في ألمانيا وبوهيميا في شرق أوروبا، فتفرقوا دون أن ينجحوا في اجتياز آسيا الصغرى بعدما هزمهم أمير سلاجقة الروم المسلمين، قلج أرسلان Kilij Arslan I، عند مدينة نيقية Nicaea (أو قونية konia)، وبعدما أثاروا سخط واستياء كل من مروا به. 

أعاد الغزاة الفرنج حشد صفوفهم في العام التالي في أول حملة منظمة، عرفت بالحملة الفرنجية الأولى، واستطاعوا الوصول إلى نيقية، وانتصروا على جيش قلج أرسلان في رجب 490هـ بعدما ظن أن القضاء على الحملة الجديدة سهل كسابقتها. وبعدما احتل الغزاة المدينة، مثلوا بأهلها شر تمثيل. ثم اتجه قسم منهم شرقا فاحتلوا الرها Edessa [8] غدرا بعد تنازل حاكمها الأرمني، ليقيموا فيها أول إمارة صليبية في الشرق المسلم في ربيع الأول 491هـ / مارس 1098م. وواصل الباقون زحفهم إلى أنطاكية Antioch [9] جنوبا، في الطريق إلى بيت المقدس، وحاصروها لمدة 8 أشهر، ولم يفلحوا في اقتحامها، إلا بعد أن تراسلوا مع أحد حراسها من الموارنة، ففتحها لهم، وهرب حاكمها جزعا، فأعملوا السيف في أهلها ثلاثة أيام، وكان ذلك في جمادى الأولى 491هـ / يونيو 1098م.

مثّل سقوط أنطاكية صدمة شديدة للمسلمين، إلا أن المثير للدهشة، كما يقول عبدالله سليم عمارة مؤلف كتاب "حملات الفرنجة و(إسرائيل)"، أن الفاطميين، أثناء حصار الفرنج لأنطاكية، أرسلوا وفدا إلى الفرنج يفاوضهم على ترك شمال الشام للصليبيين ليحتلوه مقابل ترك جنوبه للفاطميين، كما وعدوهم بمعاونتهم بالمؤن والرجال. ويضيف: "إن ما فعله الفاطميون يدلل على قصر نظر دفع الفاطميون أنفسهم ثمنه، كما دفعه المشرق العربي برمته."

في المقابل، يذكر ابن الأثير محاولة قادها أمير الموصل Mosul [10]، قوام الدولة أبو سعيد كربوقا Kerbogha [11]، لاسترداد أنطاكية فور سقوطها بيد الفرنج تبرز أوضاع المسلمين في ذلك الوقت وفي مثله من أوقات الهزيمة. فقد جمع كربوقا عساكر كثيرة واجتمع إليه أمراء عدد من مدن الشام، وسار بهم حتى حاصر الفرنج في المدينة إلى أن تدهورت الأوضاع بالغزاة، ولكنه "أساء السيرة فيمن معه من المسلمين، وأغضب الأمراء وتكبر عليهم ظناً منه أنهم يقيمون معه على هذه الحال". فلما اضطر الغزاة للخروج من أبواب المدينة متفرقين، نصح أمراء الجيش كربوقا بملاقاة كل جماعة متفرقة منهم على حدة حتى يسهل القضاء عليهم. ولكنه رفض نصيحتهم، فأضمروا له الغدر. وتُرك كربوقا الفرنج حتى تجمعوا، وعندما أمر بقتالهم بعد ذلك، رفض الأمراء تنفيذ أوامره، وفرّ جيشه أمام الفرنج الذين عجبوا للهزيمة التي لم يسبقها ضرب بسيف، ولا طعن برمح، ولا رمي بسهم، وغنموا ما في معسكر المسلمين قبل أن يعودوا لأنطاكية. ولم يصمد في الميدان سوى قلة من المسلمين صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وهكذا، تقع الهزيمة للمسلمين بسبب حكام مستبدين، وقادة يهمهم شأن أنفسهم أكثر مما يعنيهم شأن أمتهم، وغالبية لا تجد قيادة ذات كفاءة، وقلة صابرة لا يخلو منها زمن. [12]

بعد سقوط أنطاكية حيث أقيمت فيها الإمارة الفرنجية الثانية Principality of Antioch في الشرق المسلم، وجد الغزاة الفرنج الطريق أمامهم معبدا إلى بيت المقدس. فبالإضافة إلى محالفة الفاطميين لهم، حرص حكام كثير من المدن المتفرقة في الشام على عقد تحالفات مع الفرنج لضمان سلامتهم. فأمدتهم بيروت Beirut بالمال ووعدتهم بالتسليم لهم بعد احتلالهم بيت المقدس، بينما أمدتهم طرابلس Tripoli بالأدلاء ورضيت بدفع الجزية لهم.

 

خريطة سير الحملات الفرنجية في الشام 
(المصدر: أطلس تاريخ الإسلام – د. حسين مؤنس)
(اضغط لتكبير الصورة)

 

وصل الفرنج إلى مدينة بيت المقدس، فحاصروها في نحو 50 ألفا من جنودهم، بينما بلغ عدد حاميتها 40 ألفا من الجنود، فضلا عن سكانها البالغ عددهم 20 ألفا، إضافة إلى سكان القرى المجاورة الذين وفدوا إليها فرارا من زحف الغزاة. غير أن تفوق أعداد المسلمين في المدينة لم يغن عنهم مع تمكن الضعف من نفوسهم. فبعد حوالي 40 يوما من الحصار، سلم الحاكم الفاطمي افتخار الدولة Iftikhar ad-Daula المدينة المقدسة للفرنج بعد أن أمن لنفسه ولحاشيته الخروج منها سالمين في شعبان 492هـ / يوليو 1099م.

 

مثّل سقوط القدس ذروة النكبة التي حلت بالمسلمين، خاصة وأن الغزاة ارتكبوا فيها مذبحة بشعة لم يختلف على استفظاعها المؤرخون من الشرق والغرب على السواء. فقد لبث الفرنج أسبوعا يقتلون الشيوخ والرجال والنساء والأطفال من أهل المدينة، حتى من أوى منهم إلى المسجد الأقصى المبارك، ظنا منه بأن هؤلاء -الذين يقولون إن لهم دافعا دينيا وراء تحركاتهم- قد يرعون له حرمة. وبلغ عدد الشهداء نحو 70 ألفا، مما كان له بالغ الألم في نفوس المسلمين في كل مكان خاصة بعد أن وصل اللاجئون الفارون من المذابح إلى بغداد ورووا للخليفة ما حل بالمدينة. 

 

صورة متخيلة لاقتحام الفرنج لبيت المقدس 
(المصدر:موقع إسلام أونلاين دوت نت)

 

وأعلن الفرنج قيام إمارتهم الثالثة في الشام ببيت المقدس، ثم حولوها في عام 1100م إلى مملكة، عرفت باسم "مملكة بيت المقدس اللاتينية Latin Kingdom of Jerusalem"، وكانت تتكون من مدينة بيت المقدس نفسها إلى جانب يافا واللد والرملة وبيت لحم والخليل.

ساد الظلم والظلام بيت المقدس بسبب سياسة الاستئصال والإقصاء التي اتبعها الفرنج الغربيون في التعامل مع الآخر، حتى من أتباع المذاهب النصرانية الأخرى، تماما مثلما فعل الرومان الوثنيون ثم البيزنطيون سابقا، سواء مع اليهود، أو مع النصارى المخالفين لهم في المذهب قبل الفتح العمري للمنطقة. فلم يسلم مسيحيو المدينة من المذابح الفرنجية ومن اعمال السلب والنهب، كما "استولى الفرنج على أديرتهم وطردوهم من كنائسهم وبيوتهم، فاضظر البطريرك إلى الهرب إلى القاهرة، ليعيش في حماية الفاطميين."
[13]  وكانت كنيسة القيامة، التي تعتبر أقدس المقدسات لدى النصارى من كافة المذاهب، من أهم الكنائس التي استولى عليها الفرنج وصبغوها بالصبغة اللاتينية الكاثوليكية.

 

لم يكتفِ الفرنج الغربيون بالسيطرة على كنيسة القيامة التي كانوا قد تنادوا لحمايتها، بل لقد امتدت يدهم بالظلم إلى المسجد الأقصى المبارك، درة القدس. فلم يكتفوا بالمجازر التي ارتكبت فيه إبان الاحتلال، بل لقد حرموا المصلين من حرية الوصول إليه، وحولوا أجزاء منه إلى دور لعبادة غير الله تعالى. فقد حولوا قبة الصخرة الواقعة في قلب المسجد الأقصى إلى كنيسة أسموها كنيسة "أقدس المقدسات holy of holies"، ورفعوا عليها الصليب، وحولوا صخرتها إلى مذبح، وكانوا يقتطعون منها قطعا فيبيعونها بوزنها ذهبا في بلادهم. وكذلك المصلى القبلي الرئيسي في المسجد الأقصى حولوا جزءا منه إلى كنيسة وجزءا إلى مساكن ونزل لجنود الاحتلال، وجزءا آخر إلى مخزن. أما التسوية الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى (والتي عرفت فيما بعد باسم المصلى المرواني)، فقد حولوها إلى اسطبلات للخيول أسموها "اسطبلات سليمان Solomon's Stables".

أبرزت حملة التنصير التي فرضت على المسجد الأقصى المبارك مدى استماتة الغزاة لأجل دعم سيطرتهم على الأرض في فرض رؤيتهم الأحادية على المكان المقدس وفي إلغاء وجود الآخر، كما أثبتت عدم قدرتهم على الحفاظ على قدسية المدينة وحرمتها لدى كافة المؤمنين بأهميتها. فبدأ المحتلون منذ ذلك الحين، بواسطة رجال دين لم يتورعوا عن تقديم تفسيرات محرفة للتوراة والإنجيل، في تطوير جغرافيا مقدسة تربط المسجد الأقصى، وليس مدينة القدس فقط، بعقيدة النصارى. وظهرت منذ ذلك الحين، ولأول مرة، الادعاءات والمزاعم التوراتية حول المسجد المبارك، بعد أن ظل مهملا طوال العهد البيزنطي. وبناء على تلك التفسيرات والادعاءات، لم تعد المقدسات لدى الغزاة تقتصر على "كنيسة القيامة"، بل شملت "قبة الصخرة" موضع عروج الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى السماء بزعم أنها موضع قدس الأقداس من الهيكل المزعوم الذي ينسبونه إلى سليمان عليه السلام Temple of Solomon. وبذلك مهدت هذه الغزوات فيما بعد لحركة الاستعمار الأوروبي الحديث، ولقيام دولة الاحتلال "إسرائيل" في بيت المقدس في القرن العشرين. [14]

 

آثار تحويل الفرنج للتسوية الشرقية في المسجد الأقصى إلى اسطبل باسم اسطبلات سليمان
(المصدر: الدورة الأولى لعلوم الأقصى لد. عبدالله معروف على الإنترنت)

 

بعد أن استتب لهم الأمر في بيت المقدس، تابع الغزاة الفرنج حملتهم للسيطرة على باقي المدن الفلسطينية، خاصة الساحلية منها، مع توالي الإمدادات لهم بحرا من مدينة جنوة وغيرها من المدن الإيطالية والفرنسية. فعادوا ليحتلوا المدن الشمالية التي كانوا قد أعطوا بعضها الأمان، وذلك دون أن يراعوا أحكاما للحرب ولا للمعاهدات. ونمت إماراتهم إلى أربع إمارات كان آخرها إمارة طرابلس، والتي أقاموها في المدينة التي سقطت في سنة 503هـ / 1109م، بعد 7 أعوام من حصارها.

في المقابل، استمر التنازع والشقاق بين المسلمين ليحول دون المواجهة السريعة لهذا التوغل الفرنجي الطارئ. فبالرغم من تقلص أعداد الفرنج خلال هذه الحملة الأولى إلى حد كبير بعد تلك المعارك، وبالرغم من أن إماراتهم كانت أشبه بمنعزلات وسط محيط من الأعداء، إلا أن استمرار الصراعات الداخلية بين قادة المسلمين حال دون نهوضهم لمواجهة تلك الشراذم قبل استفحال شرها. 

من أسوأ مظاهر هذه الصراعات الداخلية استعانة بعض حكام المسلمين على بعضهم الآخر بالفرنج، مما منح الأخيرين دورا أشبه بدور الشرطي، وأسهم بتقوية شوكتهم. ومن ذلك ما كان من منازعة بكتاش Baqtash بن دقاق Duqaq  بن تتش Tutush بن ألب أرسلان للأتابك طغتكين Toghtekin على حكم دمشق، فقد استعان بكتاش على خصمه بالفرنج الذين لم يعطوه سوى الوعود الكلامية، ولكنه في المقابل أرسل قوة لمساعدتهم خلال معركة بينهم وبين الفاطميين في منطقة بين مدينتي عسقلان Ashkelon ويافا Jaffa  الفلسطينيتين عام 498هـ، بينما حاول طغتكين مساعدة الفاطميين.

ولم يعدم المسلمون قادة حققوا انتصارات على الفرنج في بعض المعارك، إلا أن المؤامرات التي حاكها أصحاب النظرة الضيقة والمصالح الخاصة كانت لهم بالمرصاد، فلم يكتمل لهم النصر. من ذلك ما حدث للأتابك مودود Mawdud حاكم الموصل باسم السلاجقة، والذي حقق انتصارات على الفرنج في عام 507هـ عند طبرية Tiberias في شمال فلسطين، بعد أن قاد جيشا من أهل الموصل وسنجار   [15]ودمشق. فبينما كان يصلي مودود في يوم جمعة في المسجد الأموي بدمشق، قتله باطني من طائفة الحشاشين  [16]،  وقيل إن الحادث كان من تدبير الأتابك طغتكين Toghtekin حاكم دمشق والذي كان قد رفض من قبل مساعدة مودود خشية أن يضم إليه حكم دمشق. وفي هذا، أرسل الفرنج إلى طغتكين رسالة شامتة قالوا فيها: "إن أمة قتلت عميدها في يوم عيدها وفي بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها".

كما كان من أبرز قادة المسلمين المجاهدين في هذه الفترة أق سنقر البرسقي Aq Sonqor Bursuqi، والذي ولاه السلطان محمد السلجوقي بن ملكشاه بن ألب أرسلان حكم الموصل بداية من عام 508 هـ خلفا لمودود. فقد وحد الموصل وسنجار والجزيرة  [17] وحلب، ولكنه لم يستطع ضم دمشق بسبب تحالف حاكمها طغتكين مع الفرنج. وتمكن آق سنقر من تحقيق انتصارات في بعض المعارك أمام الفرنج في شمال الشام، ولكنه قتل على يد أحد الباطنية أيضا، ولكن هذه المرة في الموصل، وذلك عام 520هـ..

 

فضلا عن ذلك، لعب الفاطميون في مصر دورا محدودا في مواجهة الغزاة الأوروبيين لم يكن يتناسب مع حجم هذا البلد العظيم. فقد أمدوا عسقلان Ashkelon الواقعة في أقصى جنوب فلسطين بالرجال والمال والسلاح، مما ساهم في إفشال الحصار الذي كان الفرنج يفرضونه على هذه المدينة كل عام، إلى أن سقطت في عام 548هـ / 1153م، مع توالي الهجمات. ومما يذكر في هذا المقام أن الفرنج لم يتمكنوا من الاستيلاء على عسقلان حيث كانت آخر مدن فلسطين سقوطا بأيديهم إلا بعد أن دب الخلاف بين أهلها وحملوا السلاح في وجه بعضهم البعض. ففي تلك السنة، وبعد أن رد أهل عسقلان الفرنج مقهورين كعادتهم في كل عام، انقسموا إلى طوائف كل منها تنسب النصر لها. وبعد مقتل أحدهم، وقعت الحرب فيما بينهم، فعاد الفرنج إلى المدينة واحتلوها دون أن يجدوا من يمنعهم منها!

لم يقف الفرنج عند حدود الدفاع عما احتلوه، كما يقول صاحب كتاب "حروب الفرنجة وإسرائيل"، بل راحوا يوسعون عدوانهم الاحتلالي، فوصلوا حوران Hauran [18]، والجولان Golan [19]، واحتلوا أيلة Ayla (العقبة Aqaba حاليا)، كما استولوا على الكرك Al Karak [20]، وبذلك تمكنوا من فرض سيطرتهم على تقاطع الطرق الاستراتيجي بين سورية وكل من مصر والجزيرة العربية.

 

 نتائج الحملة الفرنجية الأولى وتكوين ممالك الفرنج في الشرق المسلم 
(المصدر: أطلس تاريخ الإسلام – د. حسين مؤنس)
(اضغط لتكبير الصورة)

 

كما لم تقف أطماع المشروع الاستيطاني للفرنج عند حدود بلاد الشام، أو عند تهديد مصر، بل لقد اتخذوها منطلقا لتهديد المنطقة العربية والإسلامية برمتها، وتجرأوا منها على تهديد المسجدين الحرام في مكة والنبوي في المدينة المنورة. 

في عام 578هـ، وكما يروي المقريزي، "قصد الفرنج بلاد الحجاز، وأنشأ البرنس أرناط [21] صاحب الكرك سفنا، وحملها على البر إلى بحر القلزم (أي البحر الأحمر)، وأركب فيها الرجال، وأوقف منها مركبين على حرزة قلعة القلزم، لمنع أهلها من استقاء الماء. وسارت البقية نحو عيذاب (ميناء بين مصر والسودان على ساحل البحرالأحمر)، فقتلوا وأسروا، وأحرقوا في بحر القلزم نحو ست عشرة مركبا، وأخذوا بعيذاب مركبا ياتي بالحجاج من جدة، وأخذوا في الأسر قافلة كبيرة من الحجاج فيما بين قوص وعيذاب، وقتلوا الجميع، وأخذوا مركبين فيهما بضائع جاءت من اليمن، وأخذوا أطعمة كثيرة من الساحل كانت معدة لميرة الحرمين، وأحدثوا حوادث لم يسمع في الإسلام بمثلها، ولا وصل قبلهم رومي إلى ذلك الموضع، فإنه لم يبق بينهم وبين المدينة النبوية سوى مسيرة يوم واحد، ومضوا إلى الحجاز يريدون المدينة النبوية."

 

الشرق المسلم في القرن الحادي عشر الميلادي
(المصدر: موقع "تاريخ الحكام والسلالات الحاكمة" على الإنترنت)(اضغط لتكبير الصورة)

 

 

بهذه المغامرة غير المحسوبة من هذا الحاكم الفرنجي، والتي قوبلت بعد ذلك برد عنيف من جانب القائد صلاح الدين الأيوبي في مصر، اتضح مدى الحقد الفرنجي على أمة الإسلام، كما برزت أهمية بلاد الشام كحامية للمنطقة الإسلامية وللحرمين الشريفين في الحجاز. وكان لهذه المغامرة بالغ الأثر في دفع صلاح الدين إلى التعجيل بإنهاء احتلال الفرنج للأرض المباركة، وحتى خروجهم منها، كما سنرى في المرحلة التالية من قصة المسجد الأقصى المبارك.

ومما يذكر في هذه المرحلة أن اللاجئين الذين فروا من مذابح هؤلاء الغزاة الفرنج المتعددة لعبوا دورا كبيرا في حرمان الأخيرين من الأمن والاستقرار. فقد كان أهل فلسطين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق يترصدون قوافل الفرنج ويغيرون عليها بين الفينة والأخرى، فيما حكاه المؤرخون الغربيون وأطلقوا على المغيرين اسم "قطاع طرق". كما انضم هؤلاء إلى كتائب قادة المسلمين المجاهدين في الشام، وعملوا كأدلاء لهم في فلسطين، ليحققوا بذلك وعيد الله تعالى للظالمين، مصداقا للآية الكريمة:

 

  • قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) البقرة 114

 

فالآية تؤكد سنة قائمة على مر العصور هي أن الأمن لا يكون من نصيب الظالمين، خاصة أولئك الذين يرتكبون أشد أنواع الظلم المتمثلة في العدوان على مساجد الله وفي السعي في خرابها، ناهيك عن أن يكون المسجد المعتدى عليه هو المسجد الأقصى المبارك، الذي هو ثاني مسجد في الأرض، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، ومسرى خاتم النبيين. فأمثال هؤلاء الظالمين يحيون في خوف ويكون مصيرهم الخزي في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.

وهكذا .. عانى بيت المقدس من ظلمات الشرك ومن مظالم المشركين التي طالت المسجدين الآخرين المهمين في الإسلام لمدة 91 عاما هجريا (88 عاما ميلاديا) من عمر الحروب الفرنجية ضد فلسطين والشام والتي امتدت لنحو قرنين.

 

 


[1]  الروم هو الاسم الذي أطلقه القرآن الكريم على الرومان عندما ذكر انتصارهم على الفرس، ووعد الله تعالى للمؤمنين بالنصر في العاقبة في مطلع سورة مكية حملت اسمهم.

[2]  هذا الوضع يشبه ما مرت به الأمة المسلمة السابقة، بنو إسرائيل، حين فقدت البيت المقدس. فالله تعالى لا يحابي أحدا لغناه، أو لقوته، أو لانتمائه العرقي، أو حتى الديني، وإنما المحك بين الناس هو العقيدة الصحيحة والتقوى الملازمة لها والتي تضمن سيادة العدل في الأرض.

[3] سقطت الخلافة الأموية بالأندلس عام 422هـ / 1031م، وقام على أنقاضها دويلات عرفت بدول الطوائف أو ملوك الطوائف. وبسبب انقسام هذه الدويلات، لم تصمد أمام الحروب التي بدأها ملوك القلاع النصرانية في شمال إسبانيا، مثل قلعتي قشتالة Castile وأراجون Aragon، منذ ذلك الحين وحتى سقطت الأندلس عام 1492م.

[4]  عرف العرب المسلمون الغزاة الأوروبيين النصارى باسم الفرنج أو الفرنجة أو الإفرنج، حسبما يؤكد المفكر أ. د. أحمد صدقي الدجاني، نسبة إلى القوم الذين تولوا كبرهذه الغزوات، وهم الفرنسيين French سكان البلاد التي نعرفها اليوم باسم فرنسا France، بينما أطلقت عليهم المصادر الغربية اسم الصليبيين وعرفت حروبهم وغزواتهم بالحروب أو الحملات الصليبية Crusades لحملهم الصليب شعارا لهم. والحق أن نسبتها للدين المسيحي مجحفة، فهي فرنجية غربية ارتكبت فيها مذابح وحشية عانى منها المسلمون كما عانى منها المسيحيون أنفسهم، وبخاصة مسيحيو الشرق.

[5] تقع طليطلة Toledo في وسط أسبانيا الحالية.

[6]  تقع جزيرة صقلية Sicily في البحر الأبيض المتوسط عند الطرف الجنوبي لما يعرف حاليا باسم إيطاليا.

[7] أقسيس اسم يذكره الشاميون، والصحيح أنه أتسز، وهو اسم تركي، وكان آتسز حاكم دمشق من قبل السلاجقة وكان قد قصد مصر ليأخذها من الفاطميين.

[8] الرها: مدينة تقع ما بين نهر دجلة ونهر الفرات وتقوم مكانها حاليا مدينة أورفا التركية.

[9] أنطاكية: مدينة تركية تقع داخل قارة آسيا وتبعد عن البحر المتوسط بنحو 22 كيلومترا.

[10] لعبت الموصل منذ خضوعها للسلاجقة الأتراك دورا كبيرا في مواجهة الفرنج، حيث انطلق منها عدة حكام سعوا لاستخلاص بيت المقدس من أيدي الغزاة، ومن أهم هؤلاء الحكام بيت آل زنكي والذين مهدوا السبيل أمام صلاح الدين الأيوبي لاستعادة الأرض المقدسة لاحقا.

[11] القاف في الفارسية تنطق غ، ولذا فإن كلمة "كربوقا" قد تنطق "كربوغا" في بعض المصادر العربية.

[12] مصدر التعقيب على القصة هو كتاب "الطريق إلى القدس" للدكتور محسن صالح. ويذكر المؤرخون العرب أن كربوقا بعد فشل محاولته لاسترداد أنطاكية انغمس في النزاعات السلجوقية الداخلية إلى أن تُوُفِّي في مراغة بأذربيجان عام 494هـ..

[13] المصدر: كتاب "حروب الفرنجة (وإسرائيل)"، ص 53.

[14] تتشابه دولة الاحتلال الصهيوني الحالية في فلسطين مع مملكة بيت المقدس اللاتينية كثيرا، خاصة من حيث الدوافع والأهداف المعلنة وغير المعلنة للمشروعين الاستيطانيين، مما يستدعي دراسة مستفيضة لأسباب وظروف انهيار المملكة اللاتينية تمهيدا لإسقاط الدولة الصهيونية.

[15]  سنجار Sinjar: مدينة تاريخية عريقة تقع حاليا في الشمال الغربي للعراق قرب الحدود مع سورية، وهي منطقة جبلية وعرة.

[16] اشتهرت طائفة الحشاشين Hashshashin الإسماعيلية الباطنية بالقيام بالاغتيالات في صفوف القيادات الإسلامية، ومن هنا دخل اسمهم في اللغتين الفرنسية والإنجليزية بمعنى اغتيال Assassin.

[17]  يقصد هنا بالجزيرة الجزء الشمالي من المنطقة الممتدة بين نهري دجلة والفرات، فهي بذلك تحتل الجزء الشمالي الغربي من العراق، والشمالي الشرقي من سورية، وهذا الاسم أطلقه عليها الجغرافيون العرب.

[18] حوران: هي منطقة جغرافية ذات طبيعة سهلية تمتد من ريف دمشق في جنوب سورية إلى سلسلة جبال عجلون في شمال الأردن.

[19] الجولان: هضبة تقع في بلاد الشام بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال.

[20] الكرك: مدينة أردنية عريقة تقع على بعد 120 كلم جنوب العاصمة عمّان. تشرف جبالها الشاهقة على البحر الميت ومنطقة الأغوار الجنوبية والضفة الغربية في فلسطين.

[21] أرناط هو الاسم العربي للحاكم الفرنسي رينولد دي شاتيون Raynald of Chatillon حاكم مدينة الكرك الواقعة حاليا ضمن أراضي الأردن وذلك خلال الحروب الفرنجية على الشام.

 

 

للاستزادة:

 

الصراع العربي الصهيوني من الغزو الصليبي إلى الغزو الصهيوني وبالعكس