موقع صلاح الدين

المجموعة الأم: المحتوي
نشر بتاريخ الجمعة, 31 أيار/مايو 2013 07:21
الزيارات: 2682
موقع صلاح الدين


 

قصة للأطفال من انتفاضة الأقصى
بقلم: محمد علي وهبة

 

أمسك رئيس مجلس المتابعة الإلكتروني الصهيوني بكوب الماء الكبير الموضوع أمامه, وشربه دفعة واحدة, حتى يستطيع أن يبتلع الخبر الخطير الذي سمعه منذ قليل, وهو أن هناك فتى من فتيان الانتفاضة عمره خمسة عشر عاماً, اسمه >صالح الراشد<, نجح في إنشاء موقع جديد على شبكة المعلومات الدولية >الإنترنت< يحمل اسم موقع صلاح الدين.

 

أدار أحدهم جهاز الحاسب الآلي المتصل بشبكة الإنترنت في الغرفة التي يجلسون فيها, فاستضاءت شاشة الجهاز, وظهرت عليها صورة وجه صالح الراشد, وقرءوا نداءه لكل شعوب العالم لتأييد دعوته للسلام.  فظلوا يتعجبون, وهم ينظرون لملامح وجهه المليئة بإشعاع الذكاء.

 

وقال أحدهم بلهجة غاضبة:
ـ إنه صبي صغير!
وقال آخر بغيظ شديد:
ـ بريق نظرته يدل على عبقريته!
وتساءل ثالث, وهو يشعر بالقلق والذهول:
ـ كيف استطاع أن ينشئ هذا الموقع الخطير?!

 

لم يحتمل كبيرهم أن يرى, أو يسمع المزيد حول هذا الموقع. ولم يطق أن ينظر طويلاً لصورة وجه >صالح الراشد<, فطلب منهم أن يغلقوا الجهاز سريعاً, فقام أحدهم بإغلاقه.

 

ظل كبيرهم يفكر لبعض الوقت وعيناه تتسعان وتشتعلان بالغضب, ثم قال:
ـ هذا شيء خطير!
وواصل كلامه قائلاً:
ـ ليست الخطورة في إنشاء مثل هذا الموقع!
ثم قال:
ـ الخطورة في تسميته باسم >صلاح الدين وأخبرهم بأن >صلاح الدين<, ذلك القائد المسلم التاريخي العبقري الداهية كان يدعو للسلام.

 

أخبرهم كذلك بأن العبقرية الخطيرة لـ>صلاح الدين<, لم تكن في دعوته إلى السلام, وإنما كانت في قدرته على بناء القوة الجبارة, التي استطاع أن يفرض بها السلام على أعدائه.
ثم قال وهو يضغط على الكلمات بشدة:
ـ أخشى أن يؤدي هذا الموقع الجديد لظهور قائد جديد مثله!·
تساءل أحدهم, وهو يشعر بالقلق:
ـ ماذا نفعل?!
قال كبيرهم بلهجة حادة سريعة:
ـ هذا السؤال لا يحتاج إلى إجابة!
وقال وهو يلوي شفتيه بغضب:
ـ الإجابة معروفة!
وأخذ وجهه شكلاً مرعباً, وهو يضغط على أسنانه بقوة, ويعصر كتفيه وذراعيه بشدة, ثم قال:
ـ نقتل هذا الصبي >صالح الراشد ولكن أحدهم اعترض على فكرة القتل متسائلاً:
ـ ولماذا نقتله?!
وأضاف وهو يفكر قائلاً:
ـ إن قتله قد يجعل رد الفعل ضدنا عنيفاً!
ثم قال:
ـ الأفضل أن نبعث له بفيروس الشلل الصناعي!!
وأكمل كلامه, وهو يبتسم قائلاً:
ـ فنضمن إصابة الجهاز الذي يعمل عليه بالشلل والتوقف التام عن العمل!
صاح أحدهم, وعيناه تتسعان, وهو يبتسم قائلاً:
ـ إني أوافق على هذه الفكرة!
وامتلأ المكان بأصواتهم, وهم يعلنون تأييدهم:
ـ وأنا أيضاً أوافق عليها!
ـ وأنا:
وأنا أيضاً!
ـ وأنا كذلك!
ـ ونحن!
ابتسم كبيرهم, وهو ينظر لهم, ويهز رأسه مسروراً, ثم قال:
ـ ما دمتم جميعاً موافقين على هذه الفكرة··· فأنا معكم!

 

وبدءوا على الفور بتجهيز فيروس الشلل الصناعي, وظلوا منشغلين به حتى ساعة متأخرة من المساء, وحين انتهوا من توجيهه إلى جهاز الحاسب الآلي الخاص بصالح الراشد.

 

وكان فيروس الشلل الصناعي هذا, عبارة عن برنامج من برامج الحاسب الآلي المدمرة الخطيرة, عند توجيهه إلى أي جهاز من أجهزة الحواسب الآلية يقوم بتوجيه قذائف إلكترونية ضد البرامج ومراكز التشغيل المعدنية في الحاسب الآلي, فيصاب الجهاز بالشلل, ويتوقف تماماً عن العمل.

 

وفي هذه الليلة نفسها كان >صالح الراشد< قد قضى وقتاً طيباً مع أبيه وأمه وأخوته المتزوجين وأبنائهم الصغار الكثيرين, الذين كانوا في زيارتهم, وفرحوا جميعاً بموقعه الجديد, الذي أنشأه على شبكة المعلومات الدولية, وفرحوا كذلك باختياره لاسم >صلاح الدين< للموقع, وتمنوا له النجاح في الدعوة إلى السلام من خلاله, وكلهم عرضوا عليه المساعدة والمشاركة معه بكل ما يستطيعون, فأسعده ذلك كثيراً, وأسعده كذلك أخوه الأصغر >خالد< ابن السنوات السبع, عندما قال له:
ـ سأتدرب على الحاسب الآلي لأساعدك في العمل!

 

ولم يتوقف صالح عن ملاعبة الصغار من أبناء أخوته, وهو يضحك معهم, وهم يمرحون ويضحكون.
وعند ذهابهم قام باحتضانهم وتقبيلهم جميعاً على خدودهم, وطال احتضانه وتقبيله لهم, وكأنه يشعر بأنه لن يراهم مرة أخرى.

 

نام >صالح< بعد ذلك مبكراً, لينهض مبكراً لصلاة الفجر, وهو يتمنى أن يرى حلماً جميلاً يشاهد فيه السلام الجميل, وقد حل على كل أراضيهم المقدسة, لكنه رأى نفسه واقفاً أمام جهاز الحاسب الآلي, في غرفته الواسعة المظلمة, وقام بتشغيله, فتبدد بعض الظلام مع اشتعال شاشته بالضوء· وكان يستعد ليبعث برسالة جديدة لكل المحبين للسلام في العالم, لكنه أحس بالفزع عند رؤيته لشيء رهيب أشبه باشتعال البرق داخل الشاشة المضيئة ثم سمع صوتاً غريباً مخيفاً أشبه بالانفجار داخل الجهاز, وتجمد الدم في عروقه للحظات, وهو يرى كائنات غريبة مضيئة, كأنها عفاريت مخيفة تخرج من داخل الجهاز وتنطلق نحوه بشكل رهيب, فزادت سرعة ضربات قلبه وتملكه ذهول الخوف للحظات خاطفة, لكنه تشجع سريعاً واستجمع كامل قوته, واستعد بسرعة للدخول معها في معركة حامية.

 

وظل واقفاً متجمداً, وهو ينظر مذهولاً إلى هذه الكائنات المضيئة المخيفة, وهي تواصل خروجها من الحاسب الآلي, وتتزايد بالعشرات, ثم بالمئات, وظلت تتزايد حتى امتلأت بها الغرفة, وهي تواصل طيرانها ودورانها حوله كما النحل اللاسع, القاتل, المضيء الطنان, ودارت بالفعل معركة حامية بينه وبينها, فكان يسدد لها اللكمات والركلات بكل ما يملك من قوة, فيطيح بالعشرات منها إلى بعيد وبعضها تصطدم بالجدران, أو تتدحرج على الأرض بعنف, لكنها تعود بشكل ساحق عنيد, لمهاجمته من جديد, وظل يقاومها لوقت طويل من دون جدوى, حتى تصبب العرق غزيراً منه, وبدأ يرشح في ملابسه, وهو يلهث من التعب, وحتى بدأ يصيبه الإحساس باليأس, وهي تزيد من محاصرته وتضييق الخناق حوله, حتى وجد نفسه موشكاً على الإصابة بالشلل, فصاح بأعلى صوته صارخاً:
ـ لا لن أستسلم··· لا لن أستسلم!

 

بعد انتهائه من صلاة الصبح بدأ يتذكر الحلم, فحكاه لأبيه, لتفسيره, وهم جالسون يتناولون طعام فطورهم, فتوقف أبوه عن مضغ طعامه, وهو يفكر بقلق, ثم قال له:
ـ ربما علموا بدعوتك إلى السلام على موقع >صلاح الدين<:
وأضاف قائلاً:
ـ إنهم يكرهون السلام·· ويريدون الحرب!
وزاد إحساسه بالقلق, وهو يقول:
ـ لذلك··· أظنهم سيحاولون الإضرار بك!
تساءل صالح بقلق:
ـ ما العمل يا أبي?!

 

صاح أخوه الأصغر >خالد< ونظراته تمتلئ ببريق القوة والتحدي, وهو يضرب الهواء بذراعيه الصغيرتين ويقول:
ـ سأجلب لهم كل أصحابي ونظل نرشقهم بالحجارة حتى يفروا هاربين!!

قالت الأم, ودمعات سرورها بشجاعة ابنها >خالد< تلمع في عينيها:
ـ حماكم الله يا أولادي!
ثم قالت, وهي تبتسم:
ـ لكن··· ماذا تفعل الحجارة مع قوة الآلات الجبارة?!

 

حاول الأب إعادة الاطمئنان إلى قلوبهم, فنظر إليهم وملامح وجهه تمتلئ بعلامات الجد والقوة, وهو يعصر قبضة يده, ويهزها بشدة أمامهم, ويقول:
ـ لكل قوة··· قوة مضادة لها تستطيع إفناءها!

 

وبعد انتهائهم من فطورهم, أحضر الأب رقيقة إليكترونية صغيرة, مضادة للفيروسات, أعطاها إلى >صالح<, وهو يقول له:
ـ ضعها في الجهاز للوقاية من أي فيروس صناعي مدمر!

 

فعمل صالح بنصيحة أبيه, وبعد تشغيله الجهاز, شاهد معركة حامية على شاشته المضيئة بين مضاد الفيروسات الذي أعطاه له أبوه وبين الفيروسات المدمرة, التي بعث بها الصهاينة إليه· وظل يراقب ما يحدث, حتى ماتت كل الفيروسات المدمرة المعادية, وتطهر منها جهاز حاسبه الآلي تماماً, ففرح بذلك كثيراً· وبدأ يواصل عمله على الجهاز باطمئنان من جديد.

 

اجتمع أعضاء الفريق الصهيوني أنفسهم مرة أخرى, وهم يشعرون بالحزن, بسبب فشلهم في الإضرار بصالح الرشاد, وقال لهم كبيرهم, وهو ينظر لهم بشماته:
ـ ها··· قد خابت محاولتكم!
ثم قال, وهو يشعر نحوهم بالشماتة أكثر:
ـ زادكم الله خيبة على خيبتكم!
ثم قال لهم معاتباً:
ـ إني قلت لكم نقتله·· فلم توافقوني!
فوافقوه على الأخذ بفكرة القتل دون مناقشته.

 

وفي اليوم التالي, ومع بدء انحراف كرة الشمس المضيئة نحو خط الزوال, كأنها تنحني على الأرض المقدسة وتحتضنها بحنان ضوئها, كان >صالح الراشد< عائداً من مدرسته مع أخيه >خالد<, وعند اقترابه من البيت, أصابه الشعور بالفزع فجأة, وهو يرى مجموعة كبيرة من جنود الصهاينة المسلحين بالبنادق يتجمعون أمام بيته, تحميهم بعض الدبابات, الواقفة هناك بمدافعها الطويلة الغليظة, وأحس بالفزع أكثر فأكثر عندما رأى بعضهم ينظر إليه بعيون واسعة مذهولة, وأحدهم يشير نحوه قائلاً بلهجة سريعة مجنونة:
ـ ها هو·· إنه قادم!
فحاول صالح أن يهرب سريعاً, صارخاً:
ـ اهرب يا خالد··· إنهم ينتظروننا!

 

لكنه قبل أن يتمكن من الهرب, وهو يجري بعيداً, امتلأ الجو بأصوات الرصاص, التي أطلقها خلفه جنود الصهاينة من فوهات بنادقهم, فطاله بعضها, وسقط على الأرض, مضرجاً بدمائه, فسارع إليه أخوه خالد, وانحنى فوقه, وهو يبكي ويصرخ فزعاً قائلاً:
ـ أخي >صالح< مات··· أخي صالح مات!!

 

فقال له >صالح<, وهو يتألم من الإصابات, بصوت جريح نازف:
ـ لا تبك يا أخي··· فسأكون شهيداً بإذن الله··· والشهداء لا يموتون!
حاول أن يبتسم, رغم إحساسه بنزيف الدم والألم, وهو يقول لأخيه >خالد<:
ـ أجمع أصحابك كلهم للعمل باستمرار على موقع >صلاح الدين

 

وحاول أن يكرر الكلمات مرة أخرى بقوة, لكنه لم يستطع, فقد غلبه إحساسه بالألم, ودمع عينيه يختلط بنزيف دمه الراشح من ملابسه فوق تراب الأرض.

 

المصدر: البوابة الإسلامية (موقع وزارة الأوقاف الكويتية)