ما هو المسجد عموما؟

المسجد

 

المساجد بيوت الله في الأرض، بمعنى أنها أماكن مخصصة لعبادته تعالى، وتطلق على كل مساحة محددة من الأرض خصصت لذكر الله، وإقامة الصلوات الخمس في جماعة، حتى لو لم يكتمل بناؤها. ولها فضل عظيم على سائر الأماكن، إذ تتنزل فيها الأنوار والرحمات والبركات وتحفها الملائكة.

قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (سورة النور: 36-37)

 

تعريف المسجد لغة وعرفا:

كلمة "مسجد" اسم لمكان السجود الذي هو أشرف أركان الصلاة، لقرب العبد من ربه أثناء السجود. ويصلح كل مكان في الأرض للصلاة فيه، ما لم نتيقن نجاسته، لقوله صلى الله عليه وسلم "جعلت لي الأرض مسجدا"، ولكن العرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس. ويطلق على المسجد أيضا اسم "جامع"، وخاصة إذا كان كبيرا تقام فيه صلاة الجمعة.

وتعود الترجمة الإنجليزية لكلمة "مسجد" بـ «Mosque» إلى الكلمة الفرنسية «Mosquée» التي اشتقت من الكلمة الفرنسية القديمة «Mousquaie»، أخذا عن الإيطالية القديمة «Moschea»، اشتقاقا من كلمة «Moscheta»، أخذا عن الكلمة الإسبانية القديمة «Mezquita»، نقلا عن الكلمة العربية «مسجد».

 

بناء المسجد:

يتميز بناء المساجد منذ القدم ببساطته، وهو ما يتضح فيما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لدى بنائه مسجده في المدينة المنورة. فبعد تحديد مساحة المكان وتطهيره، وضبط اتجاه قبلته إلى الكعبة المشرفة والواقعة في مكة المكرمة، تم رفع سوره لمنع دخول الدواب والنجاسات إليه، وإضافة أبوابه. وأما تسقيفه، وووضع المنبر فيه، فقد تم في فترة لاحقة، بعد ظهور الحاجة إلى ذلك.

 

وهذه هي أهم الإضافات التي أضيفت للمساجد مرتبة حب ترتيب إضافتها زمنيا:
1- المنبر: اتخذ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، حوالي سنة 7 أو 8هـ. وكان عليه الصلاة والسلام يتكئ على جذع قبل ذلك. وكان المنبر يتكون من 3 درجات في البداية.

2- المنارة/ المئذنة: اتخذت في خلافة الخليفة الراشدي عثمان بن عفان لرفع الأذان من فوقها. وقبل اتخاذها، كان المؤذن يصعد إلى سطح مبنى مرتفع مجاور للمسجد ليسمع الناس الأذان وليعلمهم بوقت دخول الصلاة. وقد تتعدد المآذن في المسجد الواحد.

3- المحراب: اتخذ في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، ويوضع في الجهة التي بها قبلة المسجد، بحيث يكون المنبر على يمين الإمام وهو يصلي إلى المحراب. وقد تتعدد المحاريب بالمسجد الواحد لتسهيل التعرف على اتجاه القبلة، خاصة في المساجد الفسيحة.

4-  بيت الصلاة: يطلق على رواق القبلة الذي به المحراب والمنبر، وخاصة في المساجد الأثرية الكبيرة. وهو عبارة عن جزء مسقوف في مقدمة المسجد، ويليها ساحة فسيحة ممتدة غير مسقوفة غالبا ما تسمى صحن المسجد.

5- القباب: عبارة عن أشكال هندسية جمالية ولها فوائد عظيمة في التهوية والتكييف. في البداية كانت تتقدم المحراب في المساجد، ثم أصبحت تغطي رواق القبلة بأكمله في العهد العثماني، كما في مسجدي سنان باشا ببولاق، وأبي الذهب بالأزهر.

وقد توضع القبلة في موضع مستقل عن رواق القبلة داخل المسجد، كما هو الشأن في قبة الصخرة المقامة في قلب المسجد الأقصى المبارك.

 

 

وحول البساطة التي تميز المساجد، يقول د. حسين مؤنس، في كتابه المساجد، إصدار عالم المعرفة، الكويت، ص 29-30

 

"وطبيعة المساجد نفسها تتنافى مع الضخامة والإسراف في الزينة، لأننا نعرف أن المسجد ينبغي أن تتناسب هيئته مـع بـسـاطـة الإسـلام وصـفـائـه، فالاسلام سهل يسر واضح وعبادته كلها بسيطة واضحة لا غموض فيها والسبب في ذلك أن المساجد أقيمت للصلاة وهي مواضع مطهرة مصونة عن الطريق يقف فيها العبد بين يدي خالقه ليؤدي صلاتـه. والـصـلاة فـي صميمها طلب الرحمة من الله ولابد لها من صفاء النفس وإخلاص النية وطهارة القلب والاتجاه نحو الإله الخالق بالروح قبل الجسد . والمحراب الحقيقي لصلاة المسلم هو قلبه فإذا كان قلبه سليما صافيا صحت صلاته وتقبلها الله سبحانه وإذا كان القلب كدرا مثقلا بمطامع الدنيا لم تصح الصلاة ولا كانت مقبولة ويستوي في هذه الحالة أن يصلي الإنسان على حصير نظيف جاف في الهواء الطلق وعلى طنفسة غالية الثمن تحت سقف جامع سامق الجدران. ومن هنا كره الصالحون المساجد الضخمة المثقـلـة بـالـزيـنـة لأن المظهر الفخم لا يخلو من غرور وتـكـلـف ولأن الـزيـنـة تـشـغـل المصـلـي عـن الانصراف بقلبه نحو الخالق. وهـذه الـبـسـاطـة هـي أجـمـل مـا فـي مـعـظـم المساجد وإنه لمن مفاخر المعماريين المسلمين أنهم تمكنوا من إنشاء مساجد هي الغاية في الفخامة والروعة مع المحافظة على روح الإسلام التي تتجلى في البساطة والوقور."

 

فضل المساجد:

وللمساجد عامة فضل كبير على سائر بقاع الأرض، قال صىل الله عليه وسلم: أحب البقاع إلى الله المساجد.
ولكن هناك ثلاثة مساجد خصها الله بخصوصية كبيرة، لكونها مساجد الأنبياء، بناها الأنبياء وعمروها بالصلاة والذكر، وهي: المسجد الحرام في مكة المكرمة وفيه الكعبة المُشرفة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، مدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى في القدس. وهذه المساجد الثلاثة يستحب شد الرحال إليها وإعمارها لفضلها على باقي المساجد، ولكن واحدا منها وهو المسجد الأقصى المبارك، يعاني من غربة شديدة ويحرم كثير من المسلمين من الصلاة فيه، كما يواجه خطر الهدم والتخريب، وذلك بسبب الاحتلال الصهيوني للقدس منذ عام 1967م، ولذا، فإنه يحتاج إلى اجتماع الأمة على إعلاء كلمة الله.


قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (سورة البقرة: 114)


وقد حرص الأمراء والحكام والولاة والفاتحون والأثرياء على إنشاء المساجد في البلا المفتوحة لكي تكون منارات هداية تقوم بمهمة المسجد النبوي في إعداد الأمة. ومن أوائل المساجد التي بنيت بعد الفتوحات:


• مسجد البصرة سنة 14 هـ
• مسجد الكوفة سنة 15 هـ
• مسجد عمرو بن العاص سنة 20 هـ (فهو رابع مسجد بني في الإسلام بعد مسجد المدينة).

 

وظائف المسجد:

يعتبر المسجد مؤسسة تربوية، اجتماعية، سياسية، اقتصادية، وتتمثل أهم وظائفه في:

1- أداء العبادات والصلوات.

2- الإعلام بأوقات الصلاة وهو ما يسساعد في تنظيم الوقت

3- تدريس العلم ومذاكرته، لأن أداء العبادة وفقهها يحتاج علما صحيحا نافعا. كما كان من هديه صلى الله علهيو سلم أن يمر على حلقات الدرس والذكر في المسجد ويبدي ملاحظاته وتويجهاته.

4- مقر رياسة الدولة وإدارة شئونها العسكرية والدبلوماسية ولقضائية والشرطية. حيث عُقدت فيه البيعات للخلفاء الراشدين ودارت فيه الحوارات والمناقشات بين أعلام المسلمين وقادتهم فيما يخص بلاد المسلمين عامة.

5- المسجد مؤسسة اقتصادية إذ ترعى المساجد أُسر المتعففين عن طريق اللجان الخيرية التي تقوم على جمع التبرعات من الميسورين وتوزيعها على المحتاجين. وتقوم بعض المساجد أيضا بالتوفيق بين الأزواج.

6- المسجد مفزع المسلمين عند النوازل.

 

ملحقات المسجد:

وقد ألحقت بالمسجد قديما عدة مؤسسات تشاركه رسالته ووظائفه وهي:
1. المدارس
2. الخنقاوات: والخانقاه كلمة فارسية معناها بيت الخلوة للعبادة، وهي مؤسسة للإقامة والعبادة أمّها الصوفية. وأول من أنشأ خانقاه بمصر هو القائد صلاح الدين الأيوبي عام 1173م.
3. الزوايا: ليست مسجدا صغيرا كما هو معروف اليوم، وإنما هي جامعة أهلية صغيرة يؤمها الطلبة والحجاج والوافدون، وتضم مساحة للصلاة ومكاب للتعليم ومسكنا لشيخ الزاوية ومعلمها، ومدفنا لمؤسس الزاوية أو لأحد الأولياء، ومكتبة أو خزانة للكتب.
4. الربط: كان الرباط في البداية موضعا محصنا يقام قرب الحدود لوظيفة حربية محضة، ثم أصبح دارا للصوفية بمعنى أن المقيم على طاعة الله يكون مرابطا يدفع بدعائه البلاء عن العباد والبلاد.
5. التكايا: جمع تكية، وتخصص للإقامة الدائمة والإعاشة. ويقوم نزلاؤها بالعبادة والتعليم ورياضة النفس. وكثر اتخاذها في العصر العثماني.

 

أخطار تحدق بالمساجد ورسالتها:


1- النفاق والمنافقين: فيعمد المشككون في رسالة المسجد إلى ممارسة هذا التشكيك داخل المساجد عامة، أو في مساجد يتخذونها لصرف الناس عن المساجد التي أسست على التقوى، وذلك مثل مسجد الضرار الذي اتخذه المنافقون في المدينة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.


2- محاولات طمس هوية المساجد وتغيير معالمها: وهذه المحاولات عادة ما تتخذ عندمت يتسلط الغاصبون خاصة من الكافرين على ديار المؤمنين، فيعملون على تشويه الرموز الدينية بها وازدرائها، أو على تغيير هويتها. ومن أمثلة هذا التشويه والتدنيس: ما فعله القرامطة عندما سرقوا الحجر الأسود من الكعبة المشرفة، والصليبيون عندما حولوا جزءا من المسجد الأٌقصى ، وهوقبته، قبة الصخرة، إلى كنيسة، ومثلما فعل نابليون عندما دنس وجنوده الجامع الأزهر بمصر يوم 21-10-1798م خلال ثورة ضد الحملة الفرنسية، وعندما أغلق الفرنسيون مسجدا قديما في حي القصبة بالعاصمة الجزائرية منذ بدء الاحتلال الفرنسي لها عام 1830 وحتى عام 1962م عندما تم افتتاحه بعد التحرير. وكذلك العدوان على مساجد الأندلس التي هدم معظمها، وحول بعضها إل معابد وكنائس مثل مسجدي قرطبة وأشبيلية اللذين حولا إلى كنيسة كاتدرائية.


3-  الإهمال، مثلما تعرض له مسجد عمرو بن العاص بمصر في بعض الفترات.


4- التبشير والاستشراق: حيث عمل بعض المستشرقين المدفوعين بمهام التنصير والتبشير، على التشكيك في أصالة المسجد والقول بأنه مقتبس من دور العبادة النصرانية/اليهودية. كما نشط البعض منهم في إلهاب حماسة الجماهير غير المسلمة بالزعم بأحقيتها في تخريب مساجد معينة بالقول بأن هذه المساجد أنشئت أو أقيمت على أنقاض معابد متصلة بدياناتهم، ومثال ذلك المسجد البابري في الهند، والمسجد الأقصى في القدس.


5- الشيوعية: شن الشيوعيون، خاصة في روسيا والصين، حربا على الإسلام، ورمزه المسجد، بدأت بالنيل  من رسالته والاستهزاء برموزه، ثم التنكيل بالعلماء، ثم الحرب على فرائض الإسلام، بمنع الحج، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الصلاة، ومنع ذكر اسم الله. وقد أغلقت مساجد، ولم يفتح بعضها إلا للزيارات الرسمية من مسلمين قادمين من الخارج، بينما هدم بعضها وحول البعض الآخر إلى نواد ودور سينما، وملاه.