الدائرة الثالثة حول الأقصى: الشام

المجموعة الأم: المحتوي
نشر بتاريخ السبت, 25 أيار/مايو 2013 23:15
الزيارات: 5924

الشام

 

 

مكانتها

 

أرض الشام هي الأرض التي وصفها الله تعالى في كتابه بعبارة "الأرض التي باركنا فيها"، وذلك في عدد من الآيات الواردة في سور الأنبياء والأعراف وسبأ، ومنها:

 

قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 71]

 

وقال: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأنبياء: 81]

 

ومنبع بركة هذه الأرض هو المسجد الأقصى المبارك الذي وصفه الله تعالى بالمبارك ما حوله. قال تعالى:

قال تعالى: "(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (سورة الإسراء: 1) فالمسجد الأقصى يقع في قلب الأرض المقدسة، بيت المقدس، والتي تقع بدورها في الجزء الجنوبي من بلاد الشام، فلسطين.

 

بركات الشام حسية بالزروع والأنهار الكثيرة، وكذلك بالموقع المهم، ومعنوية بكثرة هجرة الأنبياء إليها واستقرارهم بها، وبكونها أرض رباط إلى يوم الدين، ومهاجر الصالحين في وقت الفتن وحتى آخر الزمان. قال صلى الله عليه وسلم:

 

ولكثرة ما ما ورد في فضلها من أحاديث نبوية وآثار موقوفة على الصحابة والتابعين،  خصص العلماء على مر التاريخ الإسلامي أبوابا في فضائلها. ومن هذه الأحاديث:

 

عن ابن حوالة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تكُونُوا جُنُوداً مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ فَإِنَّ اللهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ.) (سنن أبي داوود)

 

اسمها

 

أصل كلمة الشام يرجع إلى "سام" بن نوح عليه السلام، حسبما يؤكد بعض العلماء. واستخدم تعبير "بلاد الشام" في العصور الوسطى من قبل الجغرافيين العرب. ومن المرجح أنه كان موجودا في المصادر الكتابية والشفوية قبل استخدامه من قبل العرب. وبمقارنة لغوية، نجد ان حرف الشين في شام، مثله في (آ)شور، من المنطقي أن يتغير إلى "سام" و"سورية"، حيث إن القلب إلى السين أمر جائز.

 

جغرافيتها

وردت أقوال كثيرة للعلماء في تعريف حدود الشام، والأرجح أنها الأرض الممتدة بين نهري النيل في مصر والفرات في العراق، وتمتد بطول الساحل الشرقي للبحر المتوسط. وعليه، فهي تشمل أجزاء من سيناء بمصر، ومن غرب العراق، ومن شمال المملكة العربية السعودية. يحد الشام من الشمال تركيا، ومن الجنوب جزيرة العرب، ومن الغرب البحر المتوسط ونهر النيل، ومن الشرق نهر الفرات والخليج العربي.

 

قسمت منطقة الشام في أعقاب الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1918م إلى 4 دويلات هي: سوريا ولبنان وفلسطين والأردن. ويوصف الجزء الأكبر من فلسطين وبعض الأردن بأنه "الأرض المقدسة" (أو "إقليم بيت المقدس")، وهي منطقة القداسة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم. وقدر بعض العلماء مساحة هذه المنطقة بأنها دائرة بقطر 40 ميلا تقريبا حول المسجد الأقصى المبارك والقدس القديمة.

 

بهذا الموقع الهام، تعد أرض الشام محور الاتصال بين الشرق والغرب، وبين المشرق الإسلامي والمغرب الإسلامي، وبين آسيا وإفريقيا وأوروبا. ومدخلا لحماية الجزيرة العربية وكذلك خط دفاع رئيسي عن العراق ومصر.

 

مرت بها تقريبا مختلف الجيوش التي اتجهت إلى مصر، ومنها جيش الفتح الذي قاده عمرو بن العاص عام 20هـ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعد أن أتم الله على يديه فتح بيت المقدس، حيث سار منها إلى مصر عبر سيناء، ومن ثم إلى ليبيا، ليكمل الفاتحون بعده فتوح أفريقيا كلها.

 

كما تتمتع بلاد الشام المباركة بتربة خصبة وبمناخ معتدل ساعد على ذلك كثرة أنهارها مثل أنهار الأردن، والليطاني وغيرهما.

 

وتعتبر بلاد الشام والحجاز ومصر قلب الوطن العربي الذي يضم 22 دولة عربية (12 في قارة آسيا و10 في قارة أفريقيا) والذي ظل في غالبيته موحدا منذ ظهور رسالة الإسلام قبل 14 قرنا حتى أسقطت دولة الخلافة العثمانية عام 1924م.

 

وأهل الوطن العربي كله يتحدثون اللغة العربية لغة القرآن الكريم، وينتمون إلى الحضارة الإسلامية التي لا تفرق بين أبيض ولا أسود، ولا عربي ولا أعجمي، إلا بالتقوى.

 

الشام تحت التقسيم:

مع نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918م، وبموجب اتفاقية سايكس بيكو التي وقعتها الدولتان الاستعماريتان لتقسيم بلاد الشام بعد هزيمة تركيا في الحرب، احتلت بريطانيا فلسطين (وضمنها الأردن) والعراق، بينما احتلت فرنسا سوريا (وضمنها لبنان). ومهد هذا التقسيم لإقامة دولة استعمارية غريبة عن المنطقة على أرض فلسطين.

 

فخلال 30 عاما من احتلالها لفلسطين، عملت بريطانيا على تنفيذ وعد بلفور للصهاينة بإنشاء وطن قومي لليهود فيها، وأنشأت إمارة شرق نهر الأردن لإسكات بعض الحكام العرب وإلهائهم عما تقوم به في باقي المنطقة التي تحتلها خاصة في منطقة "بيت المقدس" ذات الأهمية الدينية البالغة. وبالفعل، أقام الصهاينة دولة باسم "إسرائيل" على 78% من مساحة فلسطين بما فيه غربي القدس مع انتهاء الاحتلال البريطاني عام 1948م.