نشرة الأقصى الإلكترونية

المسجد الأقصى والمتنصلون

باسم علي

تاريخ النشر:4-3-2007م 

 

لقد أصابتني الحيرة في اختيار عنوان لهذا المقال وفكرت أن أجعل عنوان المقال مؤيدي الأقصى ومؤيدي نانسي عجرم المغنية المحبوبة من الملايين اللاهين, واستقر العنوان على: المسجد الأقصى والمتنصلون.

نعم لقد عشنا هذه اللحظة التي لم يتصورها الكثيرون, الآن يتم الهدم الجزئي للمسجد الأقصى وعملية الهدم الكلي تتم على مراحل عبر الزمن, هدم طبيعي لبعض الحوائط الآن وللأساسات والأسقف فيما بعد وهدم معنوي من خلال جعل العرب والمسلمين يتعودون على مناظر الهدم ومن خلال تغذية عملية اليأس والإحباط لدى عموم المسلمين.

تشير بعض الكتابات الصهيونية أنه تجري تحضيرات لعمل زلزال اصطناعي في مكان قريب من الأقصى ومع التقويض المستمر للأساسات من خلال الأنفاق تحت المسجد يتهدم المسجد الأقصى ومن ثم يقول "الإسرائيليون" أن المسجد تهدم بفعل قوى الطبيعة وأن الهيكل كان موجودا قبل المسجد الأقصى ويجب الآن بناء الهيكل مكانه ولا مانع لدينا من عمل مصلى صغير جوار الهيكل للمسلمين وهذا دليل على حسن نيتنا.

مقابل عملية الهدم الجارية حاليا لأحد أسوار المسجد الأقصى قرب باب المغاربة, ما هي ردود الفعل من علماء المسلمين ومن المستوى الشعبي والمستوى الرسمي العربي والإسلامي.

أولا: رد الفعل من العلماء

ردود فعلهم لا زالت دون المستوى الواجب بكثير, بينما أبرز ردود الفعل كانت من محمد طنطاوي شيخ الأزهر حيث اعتبر أن ما يحدث قد يكون طبيعيا وان هذا الفعل ليس بالجديد (...وإنني اعتبره يندرج في الإطار الاعتيادي ولا اعتقد أن ثمة ما يمكن فعله اتجاه ما يجري على اعتبار انه طبيعي جدا.... و قال شيخ الأزهر (... بالنص هل هناك شيء ..؟؟ وما الداعي لإجراء هذه المقابلة (مع الجزيرة يقصد)..؟؟ مطالبا الشعب الفلسطيني بالانتحار على بوابات الأقصى... والموت تحت الجرافات "الإسرائيلية" متبرئا من مسؤوليته تجاه الأقصى ومسؤولية العرب والمسلمين, وكأن الأقصى ملكا للشعب الفلسطيني لوحده.

كما دعا شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي الفلسطينيين المجاورين للمسجد الأقصى إلى التحرك والتصدي للجرافات "الإسرائيلية" بأجسادهم. وقال في تصريح للجزيرة "عندما يهدم بيتي يجب أن أتحرك"، مؤكدا أن "الفلسطينيين إذا تحركوا على هذا النحو فإن العالم سيتجاوب ويتعاطف معهم".

إذن شيخ الأزهر اعتبر أن لا داعي لسؤاله عن هدم المسجد الأقصى لأنه شيء طبيعي وقدم النصائح للفلسطينيين عن كيفية التصدي للصهاينة وأعفي نظام الحكم في بلده المجاور لفلسطين وكل أنظمة الحكم الأخرى من مسئوليتها وكذلك أعفى أفراد الأمة الإسلامية من تأدية أي واجب وأن على الفلسطينيين التحرك لكي يتعاطف العالم معهم...... منتهى القوة ومنتهى الرجولة وقمة الإيمان وقمة التقوى!!!!!!؟.   ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهذا يتعارض مع ما قاله هذا الطنطاوي في فتوى سابقة (سنة 1969) وهذه الفتوى كما وردت في موقع المقريزي للدراسات الإسلامية:

فتوى للدكتور / محمد سيد طنطاوي

كانت هذه الفتوى خاتمة الرسالة التي تقدم بها الشيخ / محمد سيد طنطاوي للحصول على درجة الدكتوراه في التفسير والحديث والتي كانت بعنوان

«بنو إسرائيل في القرآن والسنة»

وقد كانت التوصيات الأخيرة في هذه الرسالة تجيب على سؤال:

«كيف نعيد فلسطين عربية؟»

الإجابة: يجب أن نخوض معركة فلسطين المقبلة على أساس الجهاد الديني، وليس على أساس النعرة الوطنية وحدها، وذلك لأن فلسطين بلد إسلامي مقدس كما قلنا سابقاً، وهي ملك لجميع المسلمين، وواجب الذود عنها فرض على كل مسلم على وجه الأرض.

وطالما تحدثنا في الجانب الشرعي في الدفاع عن الأقصى نذكر الأخوة القراء بالآراء الجامعة لعلماء المسلمين:

- في سنة 1966  ضمن قرارات وتوصيات المؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإسلامية:

 تنبيه المسلمين في جميع أقطار الأرض إلى أن العمل الجدي الدائم على إنقاذ فلسطين من أيدي الصهيونيين الباغين الغاصبين هو فرض في عنق كل مسلم ومسلمة.

- في سنة 1968 ضمن قرارات وتوصيات المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية:

أعلن المؤتمر وجوب القتال والجهاد حيث توفرت أسبابه في العدوان "الإسرائيلي"

كما دعا إلى إمداد الفلسطينيين بكل أسباب القوة ودعا المؤتمر أيضاً إلى إنشاء صندوق لتمويل الشعب الفلسطيني كما دعا إلى تهيئة القوى الروحية في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام لمواجهة احتمالات الموقف.

كما دعا المؤتمر الحكومات الإسلامية أن تقطع علاقاتها مع "إسرائيل".

وهذه أهم قرارات المؤتمر وتوصياته:

(أ) إن أسباب وجوب القتال والجهاد التي حددها القرآن الكريم قد أصبحت كلها متوافرة في العدوان "الإسرائيلي"، بما كان من اعتداء على ارض الوطن العربي الإسلامي، وانتهاك لحرمات الدين في أقدس شعائرها وأماكنها، وبما كان من إخراج المسلمين والعرب من ديارهم، وبما كان من قسوة ووحشية في تقتيل المستضعفين من الشيوخ والنساء والأطفال.

لهذا كله صار الجهاد بالأموال والأنفس فرضاً عينياً في عنق كل مسلم يقوم به على قدره وسعته وطاقته مهما بعدت الديار.

 (ب) يدعو المؤتمر إلى دعم الكفاح الذي يخوضه أبناء الشعب الفلسطيني وإمداده بكل أسباب القوة التي تضمن له الصمود والتصعيد، وتحقق له هدفه وغايته.

 (ج) يوصي المؤتمر بحشد كل الطاقات المادية والمعنوية للأمة العربية والإسلامية، وتدريب جميع القادرين على حمل السلاح على استعماله.

(د) يدعو المؤتمر إلى إنشاء صندوق لتمويل كفاح أبناء الشعب الفلسطيني ورعاية اسر المجاهدين والشهداء، والعمل على أن تكون للصندوق فروع في كل بلد إسلامي، وتخصيص قدر من الزكوات لتمويله، فان الإنفاق في سبيل الله من البر الذي أمر الله به، ومصرف من مصارف الزكاة الشرعية التي نص القرآن الكريم عليها.

- في سنة 1970 ضمن قرارات وتوصيات المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية:

يؤكد المؤتمر أن الجهاد بالأموال والأنفس أصبح فرضاً عينياً (النفير العام) على كل قادر من المسلمين، ومن يتخلف عن تحمل أعبائه فقد سلك سبيلاً غير سبيل المؤمنين .

وبما أن "إسرائيل" تحشد كل طاقاتها المادية والمعنوية للحرب مدعومة من الصهيونية العالمية ودول الاستعمار، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

وبما أن الأرض المقدسة والقدس الشريف والمسجد الأقصى ملك للمسلمين كلهم يتحتم على المسلمين في كل مكان أن يبادروا إلى تحمل واجباتهم في الجهاد والعمل على إرسال المجاهدين إلى ساحات القتال.

ولكي يتم للبلاد الإسلامية تدريب المجاهدين وتسليحهم وتنظيمهم وقيادتهم، يوصي المؤتمر بتأليف منظمات للقيادات الثلاث: العسكرية والمالية والروحية في كل بلد إسلامي.

إذن بعد كل ذلك أصبح الواجب الشرعي معروفا لكل من عليه واجب وأن هذا الواجب واقع على كل مسلم وممسك بعنق كل مسلم ولا سبيل له لإنكاره إلا بخروجه من الملة والله أعلم, وإن كان من المؤسف أننا لم نسمع أحدا من علماء مصر أو غيرهم ينكر على الطنطاوي رأيه فإن ما يدعو لمزيد الأسف صمت معظم علماء المسلمين عما يحدث وعدم الجهر بكلمة الحق أمام الحكام وتذكيرهم بالواجب عليهم سرا وعلانية, ودعوتهم لعموم المسلمين لنصرة المسجد الأقصى.

ثانيا: الموقف العربي الرسمي:

الموقف العربي الرسمي هو الصمت أو اللا موقف وقد وصف أحد كبار العلماء في لبنان ذلك الموقف بقوله أن الزعماء العرب متواطئون مع الصهاينة على هدم المسجد الأقصى وهذا يكفي لاستعراض هذا الموقف.

ثالثا: الموقف العربي الشعبي:

وهنا يقع أكبر البلاء, حيث الشعوب إما صامتة محبطة, أو متنصلة مما يحدث لفلسطين وللبلاد الإسلامية كما الطنطاوي أو لاهية مع نانسي عجرم وأشباهها. فربما لو تعرضت عجرم هذه لاعتداء لانتفضت لها جماهير كبيرة وصوتت لها علي الصفحات الإلكترونية وبعثت مئات آلاف أو ملايين الرسائل للتعبير عن التعاطف معها.

وقد يسأل سائل لماذا لا تثور الشعوب لأجل الأقصى أو لكي تعيش بكرامة؟ فإذا كان الجواب: إن الشعوب لا تتظاهر ولا تخرج إلى الشوارع بسبب القمع الذي تتعرض له من الأجهزة الأمنية لنظم الحكم, فإننا بدورنا نقول إن الشعوب لا تتظاهر لأنها لا تحمل في صدورها إيمان واعتقادات تستحق التضحية ولو كانت تحمل هذه المعتقدات بقوة لاندفعت تعبر عن رأيها وتواجه آلة القمع وتحطمها, ولو أن خمس أو عشر السكان في أي دولة عربية أو إسلامية خرجت تتحدى آلات القمع وتحطمها لتم القضاء على تلك الآلات أو على الأقل لجعلت الحكام الظلمة وأعوانهم الآثمة يغيرون من سياساتهم ويحققون كثيرا من تطلعات الشعوب.

ومما يؤسف له أيضا أن الجماهير العربية لا تؤازر المتظاهرين من الطلبة والمثقفين المحتجين على الأنظمة المتواطئة, بل تبقى في عزلتها تتفرج وتمصمص شفتيها وتبرئ نفسها مما يحصل.

وقد يقود السؤال السابق إلي سؤال آخر: كيف نجعل الشعوب تحمل بين ضلوعها أو في قلوبها اعتقادات تستحق التضحية؟ الإجابة لا شك صعبة ويمكن أن نقول هنا إن تغير القلوب قد يحدث سريعا بقدرة الله سبحانه وتعالى كما أن كل شيء خاضع لقدرته.

أو أن القلوب تتغير عبر الزمن وان تراكم الأحداث و المخازي والاضطهاد سوف يؤدي إلي حدوث تغيير في سلوك الأمة بحيث أن تزايد القهر والمعاناة قد يجعل الشعوب تعتقد بأن ليس هناك ما تخسره من جانب ويترسخ في وعيها ووجدانها أن التغيير أصبح ضرورة وان التغيير له ثمن ويستحق التضحية بالدم والمال والنفس.

وحتى تصل الشعوب إلي هذه القناعة يبدو أن أمامنا وقتا طويلا وفي غضون هذا الوقت يكون (لا قدر الله) قد تم هدم المسجد الأقصى ودمرت مجتمعات عربية وإسلامية أخرى غير العراق وأفغانستان وفلسطين.

ما يحدث الآن أن الجماهير أو معظمها تبحث عن شماعة أو سبب أو شيء  تبرر به عجزها وضعفها وعدم قيامها بالدور الذي يجب أن تقوم به ورفضها للتضحية, فتارة تعزو السبب إلى قمع الأنظمة وتارة إلى الفقر وتارة إلى الشعب الفلسطيني (كشيخ الأزهر) الذي لا يدير أمور إمبراطورية فلسطين بطريق جيدة (وليس المحتلة والمحاصرة والمجوعة من حكامهم).

أحد المتصلين بالشيخ يوسف القرضاوي مع بدء انتفاضة الأقصى يقول للشيخ لا داعي لدعم الانتفاضة لأن بعض الشباب المشاركين في الانتفاضة لا يصلي ولا ندري ماذا عمل هذا المصلي للأقصى!!!؟, وآخر يقول إن الفلسطينيين غير متفقين فيما بينهم لهذا السبب لن نفعل شيئا, وغير ذلك من مظاهر خداع الذات والتهرب من المسئولية ورحم الله ابن الجوزي صاحب كتاب تلبيس إبليس.

وأخيرا فإن قادة التغيير هم العلماء الربانيون والمثقفون المسلمون المؤمنون وكل أصحاب الضمائر الحية من أبناء الأمة الذين يجب أن يأخذوا دورهم, ولينتظر المتنصلون مصيرهم.

  

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام


للحصول على نشرة الأقصى الإلكترونية، يرجى التسجيل في القائمة البريدية للموقع:

alaqsa_newsletter-subscribe@yahoogroups.com  

عودة إلى صفحة النشرة الرئيسية