القدس،
الجمعة, 28-4-2006 - مشروع "الحوض
المقدَّس" للاستيطان اليهودي في القدس
المحتلة والذي تواصل السلطات الصهيونية
والجمعيات الاستيطانية تنفيذه بخطوات
متسارعة، يعدّ من أخطر المشاريع
الاستيطانية في المدينة المقدسة من حيث
إنه سيفرض واقعاً جديداً على الأرض يحسم
مصير المدينة المقدسة عموماً والمسجد
الأقصى المبارك على وجه الخصوص.
ويضم هذا الحوض حسب المصادر الصهيونية،
جميع المواقع الدينية اليهودية في القدس
"التي لا يمكن لـ (إسرائيل) التنازل
عنها" وهي: البلدة القديمة، و "وادي
قدرون"، و "جبل الزيتون".
ويقول مدير دائرة الخرائط في جمعية
الدراسات العربية، خليل توفكجي في هذا
الصدد:" إن الحوض المقدَّس هو جزء من
إيديولوجية (إسرائيلية) تهدف إلى ضمِّ
مساحة من القدس المحتلة بغطاء ديني من
خلال تسمية مناطق مهمة أماكنَ مقدسة؛ كي
تضمن (إسرائيل) سيادة ثابتة لها فيها، ومن
ضمنها المساحة الأكبر من البلدة القديمة.
وعلى الرغم من أن الهجمة الصهيونية على
مدينة القدس المحتلة، لم تتوقف يوماً منذ
أن وطأت أقدام الصهاينة أرض فلسطين، غير
أن هذه العملية قد تصاعدت بشكل متسارع في
الآونة الأخيرة، وتحديداً مع إعلان رئيس
السلطة الفلسطينية لـ "التهدئة"
التي التزم بها فقط الطرف الفلسطيني،
بينما الطرف الصهيوني واصل عملياته
العدوانية والاستيطانية متجاهلاً تلك
"التهدئة"، إن لم نقل مستغلاً هذه
التهدئة لتنفيذ المزيد من العمليات
العدوانية بحق الشعب الفلسطيني وقضيته
الوطنية.
ومع صعود "أبو مازن" إلى السلطة
الفلسطينية في أعقاب رحيل الرئيس ياسر
عرفات، شنَّ أريئيل شارون هجوماً كاسحاً
على القدس المحتلة، وتركَّز هذا الهجوم
على مصادرة الأراضي وتهجير الأهالي
والاستيلاء على الأوقاف الإسلامية
والمسيحية؛ فقد شهدت مدينة القدس
المحتلة مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي
تقدر بـ 1234 دونماً من أراضي شمال غربي
القدس وشمال شرقيها (قرى حزما والرام
وبيت حنينا وجبع والطور وبيتونيا وعناتا
وقلنديا والجيب وبيرنبالا والجديرة). كما
تزامنت عمليات مصادرة الأراضي مع تكثيف
عمليات هدم المنازل ليس فقط تحت ذريعة
"البناء غير المرخص" لكنها استحدثت
"ذريعة جديدة" هي إنشاء "معازل
أمنية" على طرفي جدار الفصل العنصري في
المدينة المقدسة.
في الآونة الأخيرة، تمَّ احتلال ثلاثة
مبانٍ فلسطينية في القدس من قبل جمعيات
صهيونية متطرفة تدَّعي أنها اشترتها من
أصحابها الفلسطينيين. وبغض النظر عما إذا
كانت تحمل هذه الجمعيات مستندات رسمية أو
مزوَّرة، فالتجربة في هذا المجال
بالنسبة إلى الجمعيات الفلسطينية التي
تابعت عشرات القضايا في المحاكم
الصهيونية بخصوص تزوير مستندات، تثبت أن
المباني والبيوت والأراضي الفلسطينية
التي تمَّ الاستيلاء عليها لم تعد
لأصحابها الفلسطينيين.
أحد تلك المباني له علاقة مباشرة بمشروع
"الحوض المقدس" المقام على مساحة 2.5
كيلومتر مربع من مدينة القدس في أهم
المناطق الاستراتيجية في المدينة، وقد
أنجزت السلطات الصهيونية نحو 90 بالمائة
من هذا المشروع الاستيطاني الخطير،
وحسبما ذكرت المصادر الصهيونية فإنه من
المقرر أن ينتهي العمل منه ويتم افتتاحه
رسمياً بعد أربع سنوات، وعلى الرغم من
خطورة هذا المشروع على المقدسات
الإسلامية والمسيحية في القدس، إلا أنه
من المؤسف في الأمر أن هذا المشروع
يُقابل بعدم مبالاة من قبل المجتمع
الدولي وبحالة من الحيادية من العالم
العربي والإسلامي..
وتندرج السيطرة الصهيونية على هذه
المنطقة الواسعة في القدس المحتلة ضمن
الأهداف الاستيطانية والمخططات
الديموغرافية والسياسية والاستراتيجية
التي أعدَّها كبار السياسيين والأمنيين
الصهاينة لمستقبل هذه المدينة انطلاقاً
من أن "القدس المُوحَّدة عاصمة
لإسرائيل". ولتنفيذ هذه السياسة عملت
السلطات الصهيونية في مسارات عِدَّة في
آن معاً؛ فبدأت في تطبيق سياسة "قدسية
المكان" أي تحويل مواقع فلسطينية مهمة
وتاريخية إلى أماكن يهودية مقدسة. ونجحت
في رفع عدد الأماكن اليهودية المقدسة في
فلسطين من 49 مكاناً في العام 1949، وفق ما
دوَّنه الانتداب البريطاني، إلى 326
مكاناً حتى العام 2000.
ومن خلال فرض أمر واقع عبر "قدسية
المكان" سواء لمبنى أو مغارة أو أي
قطعة لها أهمية استراتيجية، تمكنت
السلطات الصهيونية من السيطرة على مناطق
شاسعة من الأرض الفلسطينية عموماً، وفي
مدينة القدس، في شكل خاص.
وفي النهاية تمكنت حكومة الاحتلال في
إنجاز مخططها بفرض أمر واقع ضمنت فيه
السيطرة على أكبر مساحة من الأرض مع وجود
أقل عدد من الفلسطينيين. و "الحوض
المقدس" هو أخطر وأهم هذه الإنجازات.
ويجري التركيز هذه الأيام في المناطق
التي أعلن رئيس الحكومة الصهيونية
بالوكالة أيهود اولمرت أنه سيبقيها
مستقبلاً كجزء من القدس وبينها "الحوض
المقدس".
وتتحدث دراسة وضعها باحثون من "جمعية
القدس للأبحاث" أمام َ أولمرت حول مصير
"الحوض المقدس"، عن حلول يبدو بعضها
غير واقعي عندما يتحدث عن إمكان سيطرة
كاملة للفلسطينيين على المنطقة لأن
الواقع الذي فرض اليوم فيها نفذ في شكل
مدروس لمنع إمكان أيَّة سيطرة من هذا
النوع.
أما الحل الذي يتحدث عن سيطرة صهيونية
فهذا ما تريده (إسرائيل) وعملت من أجل
تحقيقه، لكنَّه سيُوجد نزاعاً، لكون
المنطقة تضم أماكن مقدسة للمسيحيين
والمسلمين، ويحق للفلسطينيين الدخول
إليها وزيارتها. ومع أي حل دائم سيفرض من
دون التفاهم حول هذه المنطقة، فإن
الفلسطينيين سيحرمون من حقهم في أماكنهم
المقدسة، و هذه الإشكالية دفعت إلى وضع
حل آخر يتحدث عن سيطرة دولية بحيث تكون
منطقة "الحوض المقدس" وحدة تتيح
للجانبين إمكان ممارسة الصلاحيات
الإدارية عليها مع رقابة دولية.
هذا الاقتراح الأقرب لما سبق ونوقش بين
الطرفين في مفاوضات طابا، العام 2001،
عندما طرح المفاوض الفلسطيني مشروع "الحوض
المقدس" للنقاش لما يحمله من خطورة على
مستقبل المدينة المقدسة ورفضوا في حينه
التسمية التي أطلقها الصهاينة على
المنطقة كما رفضوا حدوده الجغرافية التي
تشمل البلدة القديمة وحائط المبكى،
والحرم، وجبل الزيتون، ومدينة داود
والعوفيل - كوحدة إقليمية تكون تحت سلطة
خاصة.
الباحثون الصهاينة يؤكدون أن الواقع
الذي فرضه مشروع "الحوض المقدس"
يحتم تدويل المشروع وضمان رقابة من هيئة
دولية كالأمم المتحدة أو تشكيل منظمة
متعددة الجنسيات، خصيصاً لهذا الغرض.
أولمرت وأركان القيادة الصهيونية رفضوا
الاقتراحات عموماً، لكنهم وجدوا أنَّ
اقتراحين هما أقرب إلى النقاش إذا ما
أصرَّ الفلسطينيون على موقفهم الرافض
للهيمنة الصهيونية على المنطقة، وضمنوا
تأييداً دولياً إلى جانبهم يساعد على
إخراج النقاش من إطاره الصهيوني ـ
الفلسطيني إلى إطار دولي.
أحد الاقتراحات يتحدث عن الاتفاق على
حدود المنطقة، أولا، ثم تقسيم إقليمي بين
الجانبين مع رقابة دولية، هذا الاقتراح
يعطي للهيئة الدولية صلاحيات الرقابة
والإشراف على المشروع وإدارته، ومنحها
حق تحديد صلاحيات للطرفين سواء في حماية
المقدسات من التدنيس والاعتداءات أو
أنظمة المرور وكل ما يتعلق بالتخطيط
والبناء في منطقة كل طرف.
البديل الآخر المقترح يتحدث عن خطوة
الاتفاق على "الحدود"، أولاً، ثم
التقسيم الإقليمي بين الفلسطينيين
والصهاينة، بحيث يمنح كل طرف صلاحيات
لهيئة دولية مع ضمان رقابة دولية. وتكون
هذه الهيئة بمثابة مراقب مهمته ضمان
متابعة تنفيذ الطرفين للتسوية المتفق
عليها.
ويتطرق مُعدُّو الاقتراح الأخير إلى وضع
حدود تضمن حق كل طرف في السيطرة على
الأماكن المقدسة التابعة له. وبسبب ما
ولَّده المشروع من إشكاليات، وما تحدثه
الحكومة الصهيونية اليوم من نقاش حول
مستقبل عدد من هذه الأماكن، خصوصاً الحرم
القدسي الشريف، فإن معدِّي البحث يضعون
أكثر من اقتراح لهذه الحدود؛ الأول منها:
يتحدث عن سيطرة صهيونية على الحيين
اليهودي والأرمني وسيطرة الفلسطينيين
على الحيين الإسلامي والمسيحي على أن
يكون الحرم القدسي الشريف ضمن السيادة
الصهيونية، أما البديل الثاني: فيتحدث عن
سيطرة كل طرف على الحيين فيما يكون
الأقصى تحت السيادة الفلسطينية.
ويرى الباحثون الصهاينة أن حكومتهم
سترفض هذا الاقتراح لأن واحداً من
أهدافها في السيطرة على مناطق واسعة في
القدس هو السيطرة على المسجد الأقصى من
أجل"الهيكل" المزعوم.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن المخططات
الاستيطانية والتحركات العدوانية
الصهيونية في القدس المحتلة تؤكد أمراً
هاماً؛ وهو أن العقلية الصهيونية لا تدرك
حقيقة العلاقة التي تربط الفلسطينيين
والعرب والمسلمين بمدينة القدس والمسجد
الأقصى المبارك، هذا العلاقة التي لا
ينال منها الزمن مهما طال أمده، ولن تغير
من طبيعتها طفرة القوة الصهيونية..